|
|
هيّا إلى الجولان
بقلم : ناهض حتر
08-05-2013 11:16 PM كانت حرب تشرين 1973، بالنسبة لمحمد أنور السادات، حرب تحريك ومقدمة للقبول بسياسات الاستسلام أمام العدو الأميركي ـ الإسرائيلي، لكنها كانت، بالنسبة للرئيس الراحل حافظ الأسد، حرب تحرير كلاسيكية، فشلت في تحقيق أهدافها بسبب رئيسي هو أن السادات ترك الأسد وحيدا في الميدان. ولم يقبل الأسد بالهدنة إلا بعد استنفاد حرب استنزاف طاحنة (ومنسية) حاول، خلالها الجيش العربي السوري، الحفاظ على الشعلة وانتظار متغيرات إيجابية، حصل عكسها، فكانت الهدنة. لكن الأسد لم يذهب من الهدنة إلى تل أبيب وواشنطن، وإنما إلى بناء استراتيجية مقاومة معقّدة هي الحرب خارج الأسوار، من خلال دعم المقاومات والتصدي للحلول التصفوية، والتمسك بالثوابت، وكل ذلك في سياق مشروع بناء الدولة الوطنية السورية. كان هذا البرنامج المزدوج يتطلب التمسك بالهدنة في الجولان، من دون أن يقفل ذلك باب الاشتباك مع العدو في لبنان، حيث قاتل السوريون بضراوة وشجاعة، بالدبابات ووسائل المقاومة والنضال السياسي، لمنع خضوع البلد للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه المحليين. من بين كل العرب، سورية الأسد هي الوحيدة التي لم تركع للإمبريالية والصهيونية، وإنْ كانت هادنت، بعد 1973، الرجعية العربية، من دون أن تسير في ركابها. في بلاد الشام، لم يقاتل أحد إسرائيل ومشروعها الإقليمي، مثلما قاتله السوريون، ولم يقدم أحد الشهداء والتضحيات في سبيل فلسطين مثلما قدموا، ينطبق ذلك على الفلسطينيين أنفسهم. وكان التصدي للمشروع الصهيوني، يتطلب، أحيانا، القتال ضد اليمين الفلسطيني واللبناني، حفاظا على لبنان ساحة للمقاومة، مثلما كان يتطلب مواجهات أمنية وسياسية وإعلامية في عالم عربي ركن إلى الاستسلام. لم يلخّص أحد، مغزى سياسات الأسد في الوطنية الواقعية، مثلما لخّصها الزعيم الأردني الراحل، الملك حسين، حين قال واصفا تلك السياسات تقوم على معادلة ' لا إفراط ولا تفريط'. والإفراط يؤدي دائما إلى التفريط؛ أفلا ترون كيف انتقلت فتح من ' النهر والبحر' إلى أوسلو، وكيف انتقلت حماس من مقاومة هدفها تحرير كامل التراب الفلسطيني إلى سلطة استبدادية في قطاع غزة، ترعاها قطر، وتقمع بالرصاص الحي مظاهرة تضامنية مع سورية ضد العدوان الإسرائيلي؟ منذ سنة، كنا نناقش الرفاق السوريين قائلين إن استراتيجية الحرب خارج الأسوار، قد انتهت موضوعيا؛ فالحرب الإمبريالية الصهيونية انتقلت الآن داخل الأسوار، مستخدمة أدوات الرجعية العربية والإسلام السياسي، وما كنّا نخشى عليه من انجازات تنموية في سورية، دمره الإرهابيون، فماذا بعد؟ أوقفوا هدنة ال1974 وافتحوا جبهة الجولان. وقد واتت الفرصة السوريين للقيام بذلك بعد الغارات الإسرائيلية على دمشق، حين أنهى الإسرائيليون بأنفسهم مفاعيل تلك الهدنة. قرار دمشق الجريحة البطلة، بفتح جبهة الجولان للمقاومة السورية والفلسطينية والعربية، ' نهائي'، ولا يرتبط بمآل التسوية الداخلية؛ فأينكم يا مَن كنتم تتحرقون لمقاتلة إسرائيل وتتذرعون بإغلاق الجبهة السورية أمام بنادقكم... هيا إلى الجولان إنْ كنتم صادقين. حوّلوا بنادقكم عن صدر دمشق إلى صدر إسرائيل .. تعالوا أيها الإسلاميون وأقيموا إمارتكم في الجولان في مواجهة المحتلين. ولا تتذرعوا، هذه المرة، بصدقية القرار السوري؛ فهذا القرار سياسي يشرعن المقاومة باسم الدولة السورية، ويعلن عن تحمّل أعبائها، لكن على الأرض، جبهة الجولان مفتوحة واقعيا، وخارج قبضة النظام. أنا أعرف، كما تعرفون، أنكم لن تأتوا إلى الجولان إلا لمحاربة دمشق، وسوف ترسلون، كما هو الحال الآن، جرحاكم للاستشفاء في المستشفيات الإسرائيلية. لكن المقاومة ستنطلق من الجولان، يؤسسها، مقاومون قادرون على تغيير المشهد الاستراتيجي كله.
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|