أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025


عبد الفتاح مورو والنقد الذاتي

بقلم : د. رحيّل غرايبة
27-06-2013 11:15 PM
عبد الفتاح مورو يعد من أبرز مؤسسي حركة الإتجاه الإسلامي في تونس في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، الذي تحولت فيما بعد إلى حركة النهضة، التي كان لها الدور الأبرز في الأحداث التي أطاحت الرئيس التونسي السابق زين العابدين، وأصبحت جزءا مهما من التحالف الحاكم الذي يشرف إلى إدارة الدولة.
عبد الفتاح مورو إلى جانب زعيم الحركة 'راشد الغنوشي' أسهما في إيجاد حركة إسلامية معتدلة، كان لها دور مؤثر في ترشيد الخطاب الإسلامي العالمي، وتطوير خطاب الحركة الإسلامية المعاصر، ينبغي عدم التقليل من جهدهما أو غمط حقوقهما.
لقد استمعت لمحاضرة مورو في قصر الثقافة حول تجربة الإسلاميين في الحكم، حيث مارس النقد الذاتي بمنهج علمي موضوعي ممزوج بالتجربة والخبرة والثقة بالنفس، من خلال الجمع بين وضوح الفكرة والتنظير من جانب ومعايشة الواقع وممارسة العمل السياسي من الجانب الآخر.
ممارسة النقد الذاتي بهذه الدرجة من الجرأة والوضوح يدل بشكل قاطع على الثقة بالنفس، وعدم الخضوع لمنطق (عدم نشر الغسيل) الذي يتبناه عدد لا بأس به من قادة الحركة الإسلامية من باب الخوف والإشفاق على الحركة الإسلاميّة، والرعب من تأثير النقد على شباب الحركة وأتباعها ومؤيديها نتيجة اهتزاز الصورة المثالية التي جرى تسويقها بقدر كبير من المبالغة.
عندما تتصدر الحركات الإسلامية المشهد السياسي، وتصل إلى قمة السلطة ينبغي أن تغادر كل مراتب السّرية وأثارها ومخلفاتها، وأن تتبع منهجية الأبواب المشرعة والنوافذ المفتوحة، وأن تتقن سياسة الاستيعاب والصدور الواسعة التي لا تضيق بالنقد ولا تتبرّم بالخصومة السياسيّة، وكثرة الجدال وطوال الحوار، الذي ربما يكون مشوبا بالغلظة والفظاظة أحيانا، والمماراة غير المحقة أحيانا أخرى.
لقد اشتملت المحاضرة السابقة على جملة من الأمور المهمة، التي تستحق العناية والدرس من كل الأطراف بعموم، والحركة الإسلامية بخصوص التي هي بأشد الحاجة إلى استثمار فرصة المراجعة والتقويم، والانطلاق نحو فقه الدولة، ومغادرة فقه الدعوة المقتصر على التنظير والوعظ وإطلاق الشعارات والمبالغة في المطالب المحلقة بالخيال.
الأمر الأول يتعلق بمفهوم المشروع الإسلامي، فهو ليس مرتبطا بحركة ولا حزب ولا تجربة قطرية، كما أنه ليس مرتبطا بالنجاح في الانتخابات أو الرسوب فيها، فالمشروع الحضاري الإسلامي مشروع أمة، جذوره ضاربة في التاريخ، وهو باقٍ وممتد إلى ما شاء الله، وهو يملك مقومات النهوض والنجاح بذاته ومضامينه، وأهدافه ومبادئه وقواعده.
الأمر الآخر أن المشروع الحضاري الإسلامي يحتاج إلى الحرية أكثر من حاجته إلى السلطة القاهرة، ولذلك روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: 'خلّوا بيني وبين الناس'، فهذا جل ما يريده أصحاب المشروع أن يعيش في بيئة تحترم الرأي وتقيم وزنا للفكر، وليس فيها كبت ولا قمع ولا مصادرة للرأي، وتخلو من استخدام العنف والقوة في فرض العقائد والآراء، وهذه المسألة في غاية الأهمية والعمق، لأن كثيرا من قادة الحركة الإسلامية وأتباعها يعتقدون أن السلطة أداة فرض المشروع الإسلامي على الناس من خلال النفوذ والقوة، والأوامر السلطانية وذلك من خلال تجربة الإسلاميين المرة في المراحل السابقة التي تعرضوا فيها لعمليات القمع ومصادرة الحريات والزج بالسجون والمعتقلات من أجل أفكارهم وآرائهم.
الأمر الثالث يتلخص بأن الثورات الشعبية دفعت بالإسلاميين إلى قمة السلطة من دون خبرة عملية في إدارة الدولة، وكانوا بعيدين عن تفصيلات الواقع المعقد المليء بالمفاجآت والصعوبات، في ظل الدولة العميقة أولاً وفي ظل بقاء الأنظمة السابقة بجوهرها وفلسفتها وكوادرها وأجهزتها، وما يرتبط بها من شبكات مصلحية معقدة لا حصر لها ولا عد من الشركات والجماعات والأشخاص والعائلات وبناء على ذلك فإن تقديم تجربة الإسلاميين في ظل هذه الظروف، وفي هذه الفترة الوجيزة ليس دقيقا ولا سليما.
الأمر الأكثر أهمية يتجلى بضرورة التركيز على الهدف الحقيقي للحركات الإسلامية الذي يجب تجليته بأنه يتلخص بضرورة تحرير المجتمع وتمكينه من اختيار الأقوياء الأكفاء الأمناء على المال العام والمصلحة العامة، والقادرين على إعلاء الشأن الوطني من دون نظر إلى اتجاه سياسي أو انتماء حزبي.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-06-2013 04:47 PM

لو كانت القيادات الاسلاميه والحركات الاسلاميه تنتهج وتؤمن بما يؤمن به المفكر الفذ *عبد الفتاح مورو * لاستطاعت أن تتربع في قلوب الشعوب العربيه وعلى صدر سدة الحكم في عالمنا العربي كله ؟؟؟ولكن ما الذي تستطيع اضاءته شمعة ضوؤها ونورها محدود وصوتها خافت لا يكاد يسمعه احد في ظل الضجيج والفوضى التي تصدر عن الحركات الاسلامية وقياداتها,للاسف يا دكتور قليلون هم من يتبنون رؤية وفكر وقوة العالم والمفكر مورو* في هذه الحركات وبين هذه القيادات,.

مع كل هذا فاني اتمنى على الله ان يهيئ للحركات الاسلاميه قيادات تنوريه ومفكرين معتدلين عميقين المعرفه كأمثال عبد الفتاح مورو؟؟؟

وقفة احترام وتبجيل لفكر وشخص هذا العالم الجليل الفذ في زمن عز وجوده بين قيادات الحركات الاسلاميه؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012