أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025


الخط الفاصل بين الحرية والفوضى

بقلم : د. رحيّل غرايبة
04-07-2013 01:20 AM
عندما تتداخل الخطوط الفاصلة بين الأشياء، وتتشابك المتناقضات في مشهد الفوضى العارمة، يصبح الالتزام بمنطق العقل المنظم البعيد عن الانسياق الغريزي وراء الرغبة الجامحة والعاطفة الجياشة، أمرا في غاية الصعوبة، حيث تضع الفتنة رحالها، وتبسط الحيرة خيوطها وتسود قوافل الضباب على السهول والجبال، وتنخفض الغيوم القاتمة وتجثم على المسارات ومفارق الطرق، وتمنع الرؤية الواضحة، وتحجب النور وتسد الأفق...
يقول علماء الاجتماع إن الإنسان مدني بالطبع، إذ لا يستطيع العيش إلّا في مجتمع بشري، ولكن الناس إذا اجتمعوا اختلفوا وتنازعوا، لاختلاف مصالحهم وتصادم رغباتهم، فلا بد من سلطة تفصل بينهم، وقانون ينظم عيشهم ويضبط حركتهم، ومن أجل ذلك بعث الله الرسل والأنبياء وأنزل الكتب من أجل مساعدة المجتمعات البشرية على تنظيم أنفسهم وحل خلافاتهم، ووقف نزاعاتهم، وأن يمتنع بعضهم عن قتل بعض، وأن يكف القوي عن استعباد الضعيف أو قهره أو مصادرة حرياته، عن طريق إرساء مرجعية قيمية عليا، يحتكم إليها جميعهم، وهذه وظيفة الحكماء والعقلاء والمثقفين وأهل الخبرة والاختصاص في كل أمة وفي كل مجتمع بشري.
الشعب المصري الذي خرج في ميدان التحرير ورابعة العدوية وبقية الميادين والساحات، بين مؤيد ومعارض، لا بد له من وضع حد لهذا الانقسام المجتمعي الذي يمنع التقدم ويحول دون النهوض المأمول، ويجب الحفاظ على ما تم من إنجازات ثورية جماهيرية، تمثلت بإعادة السلطة للشعب وامتلاك القدرة على اختيار الحاكم بحرية وإرادة مكتملة ونزاهة معقولة بإجماع الشارع المصري.
الخروج إلى الميادين والساحات حق محترم لكل الأحزاب والقوى السياسية للتعبير عن الرأي بطريقة سلمية حضارية، خالية من كل مظاهر العنف والبلطجة والتخريب والحرق وتعطيل مصالح الناس، ولكن ما يجب الاتفاق عليه بإجماع، أن هذا الخروج يجب أن لا يعود إلى نقطة الصفر، وإلى المربع الأول الذي تم تجاوزه، لأن التعبير عن سلطة الشعب الحقيقية قد تم من خلال الطريقة المنظمة المنضبطة عبر صناديق الاقتراع، وينبغي أن لا يتم اللجوء إلى الشارع إلّا في حالة مصادرة حق الجماهير في الانتخاب الحر المباشر، ولذلك فإن الإصرار على طريقة تغيير الحاكم عبر التظاهر والخروج إلى الساحات والاعتصام في الميادين يكون ضرباً من العبث والفوضى، في ظل دستور خضع للاستفتاء يتيح تداول السلطة وتغيير الرئيس عبر انتخابات عامة تعطي الأغلبية حق تشكيل الحكومة.
وفي محاولة لتخيل المشهد المقلوب، فلو تم افتراض فوز صباحي أو البرادعي أو غيرهما عبر انتخابات حرة ونزيهة، ومعترف بها، ثم دعا الإخوان المسلمون لإسقاط الرئيس من خلال الدعوة إلى خروج مليونية من مؤيديهم إلى ميدان التحرير، فماذا سيقول الإعلام وكتاب الصحف، وماذا سيقول أرباب الفضائيات التي تمتهن التحريض والتعبئة، وقلب الحقائق وتدعو بكل صراحة ووضوح إلى إسقاط الرئيس المنتخب وكيف سيكون الخطاب بحق الإسلاميين؟!
المشكلة الكبيرة الواضحة للعيان التي تتمثل بالتناقض الشديد الذي يمارسه المعارضون في خطابهم المتكرر، فهم يقولون أحياناً إن النظام الجديد صورة عن النظام القديم ولم يتم تغيير أي شيء، وفي لون آخر من الخطاب يتحدثون عن الانقلاب الإخواني الذي يطال الفن والثقافة والعادات والتقاليد والأعراف المصرية، والزحف على مواقع السلطة، وهم انفسهم يصفون النظام المصري بأنه نظام الإخوان ، وعندما يتم تعيين ثلاثة محافظين من الإخوان من بين سبعة عشر محافظا، يطلقون الاتهام بالاخونة، وتجد الذين يؤيدون بشار الأسد في سوريا في استخدام أعلى مستويات القوة والعنف ضد خصومه؛ حيث يستخدم الدبابات والطائرات العمودية والحربية، والبراميل المتفجرة، وصواريخ غراد، والغازات والأسلحة الكيماوية، ومع ذلك يعطونه الشرعية وكل المبررات، ويصفون معارضيه بأنهم إرهابيون ومجرمون ومتمردون ومتأمركون وعملاء وأكلة لحوم بشر، ثم يستنكرون في الوقت نفسه إطلاق لفظ الفلول والبلطجية على الذين يخربون ويدمرون ويحرقون المقرات في مصر ويسرقون محتوياتها أمام عدسات التصوير.
الحالة التي يعيشها بعض خصوم الإسلاميين تستعصي على الفهم والتحليل لوجود هذا التناقض البين، واختلاط الحدود الفاصلة بين الحرية والفوضى، وبين الالتزام بشرعية الشارع وشرعية الصندوق، وتخيلوا لو أن مرسي استخدم القوة ضد الخارجين على النظام والسلطة، كما استخدمها بشار، مع أنه حتى هذه اللحظة لم يستخدم الهراوات ولا خراطيم المياه، ولماذا لا يتم منح مرسي المنتخب الحق نفسه الذي يعطى لبشار غير المنتخب، من الكتاب أنفسهم، ومن أصحاب الخطاب نفسه على وجه التحديد.
دعونا نتفق على مسطرة واحدة، تتمثل بمبادىء واضحة وقواعد عامة، تنطبق علينا جميعاً، في كل الأماكن وفي كل الأوقات وفي كل الأقطار بدون تمييز، استجابة للنداء القرآني: ((تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ)) -آل عمران(64)-. حتى نتخطى هذه المرحلة، ونضع حداً لهذه الفوضى وهذا التناقض، الذي يبدد الطاقات ويضيع الأوقات ويكرس الضعف والتخلف والانقسام والصراع الأبدي.
أنا أملك الجرأة لتوجيه النقد للإسلاميين، وأستطيع القول أخطأ مرسي، ولكن يجب أن تسير العجلة، ويجب اكتمال المؤسسات ووضع الدستور قبل أن نشرع بالتقويم غير المنهجي وغير الموضوعي وغير العلمي لأداء الرئيس قبل أن يمر عام واحد، وقبل انتخاب البرلمان وقبل بناء الأجهزة والمؤسسات وقبل إصلاح القضاء، وقبل إصلاح الإعلام وقبل إصلاح التعليم والمناهج والجامعات!!!

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
04-07-2013 06:17 AM

.
-- دكتور رحيل , إختصار الموقف بالسيناريو المحلي يجعله عبثيا غير مفهوم و لكن ربطه بالصراع الدولي يفسره تماما.

-- قامت امريكا بتنفيذ إنقلابين عربيين في اقل من شهر , الأول في قطر و الثاني في مصر.

-- الإنقلابين إستهدفا النفوذ البريطاني الممثل في قطر بأميرها السابق و رئيس وزراءه و الثاني في مصر بالإخوان المسلمين .

-- القيادتين التي عُزلتا كانتا تظنان انهما أذكى من الإداره الأمريكيه فإقتربتا منها و تظاهرتا بالسير معها في حين كانتا فعليا تربكان المخطط الأمريكي لصالح إعاده النفوذ البريطاني.

-- وإذا كنا نغفر للقياده السابقه في قطر فشلها في منع الإنقلاب بسبب الوجود العسكري الامريكي و صغر حجم البلد و قله عدد المواطنين و ضعف الخبره السياسيه فلا شيء يغفر لإخوان مصر سذاجتهم و الفخ الذي اوقعوا انفسهم به حيث تحالفوا مع السلفيين رجال السعوديه و امريكا الذين يسعون لإفشالهم ليأخذوا مواقعهم في إداره الشارع الإسلامي و كان اولى بالإخوان التحالف مع الأقباط الأقوياء الذين يخشون السلفيه من مبدأ عدو عدوي صديقي.

-- الحماقات التي أرتكبتها قياده الإخوان في مصر لا يمكن تصديقها و تظهر سطحيه تؤهلهم بالكاد كجمعيه خيريه و لا تؤهلهم بتاتا لأي دور سياسي.

.

2) تعليق بواسطة :
04-07-2013 09:09 AM

ما يقوله الغرايبة صحيح ولكن عليه ان يبحث في اسباب كره الناس للاخوان المسلمين قبل اي شيء اخر؟

الناس تكره الاخوان لانهم يزجون الدين في كل شاردة وواردة رغم ان الخلاف معهم دنيوي وليس ديني....مثلا نختلف معهم تجاه قضية معينة تتعلق مثلا بتوجه النقابات او الحكومة او حتى الدوري الرياضي المحلي...فنجدهم ياتون الينا بخطاب ديني ويقحمون الاسلام في الموضوع ليصوروا للناس ان الخلاف ليس خاص او سياسي او رياضي او اعلامي او نقابي انما هو صراع بين اهل الجنة واهل النار او خلاف بين المسلمين والكفار!! هنا مازق الاخوان...والمصريين تمكنوا خلال سنه من اكتشاف هذا التناقض وقاموا بطردهم شر طره....فمن يتاجر بالدين لاهداف سياسية ودنيوية لا يختلف عن مبارك وغيره....كلهم كذبة ودجالين

3) تعليق بواسطة :
04-07-2013 09:16 AM

يا استاذ غرايبة لماذا لا تنقد جماعتك بشكل واضح...فالاخوان المسلمين مشكلتهم الاساسية انهم يرفضون الاخر ولا يقبلون مخالفيهم ويبداون بتوصيف المعارضين لهم باوصاف لا علاقة لها بالخلاف السياسي كان يقولوا هؤلاء علمانين وملحدين وكفره ! المشكلة فيكم انتم وفي الاخوان وليس في الاخرين الذين يتقبلون ويستوعبون كل الاراء....عليكم ان تغيروا من خطابكم الابله وان تكفوا عن توصيف من يخالفكم الراي باوصاف تهيج الجماهير وتثير العواطف.......المعضلة في الاخوان في الحقيقة وليست في الاخرين...وهذا هو سبب كره الاخرين لكم......من يومين خرج اكثر من عشرين مليون مصري يرفضونكم وبدلا من مراجعة افكاركم وسياساتكم ذهبتم لتقولوا انهم كفره وراقصات ومتحرشين وبلطجية ومسيحيين!!!؟؟ انتم اغرب ظاهرة شهدتها البشرية في الحقيقة؟!

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012