أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025


"ترميم" الصيغة الوطنية

بقلم : د.محمد ابو رمان
22-07-2013 01:42 AM
أغلب المعطيات الحالية تعزّز هيمنة الرؤية المتشدّدة على السياسات الرسمية تجاه جماعة الإخوان المسلمين بعد الانقلاب المصري؛ عبر الاستثمار في ما حدث، والاستفادة منه في عملية إدارة الصراع الداخلي مع 'الجماعة'، وتسويق ذلك، سياسياً وإعلامياً، بوصفه هزيمة للإخوان، وفشلاً عميقاً لتجربتهم السياسية، وانقلابا للشارع عليهم.

الانعكاسات الجليّة ظهرت عبر تصريحات وزير الخارجية 'المتحمّس جداً' لتدخل الجيش المصري، لدرجة أذهلت وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في المؤتمر الصحفي الذي عقداه معاً قبل أيام. كما انعكست، أيضاً، في وسائل الإعلام عبر سلسلة من المقالات والتحليلات التي تسير في الاتجاه نفسه من التحريض والسخرية والشماتة، مما حاق بالجماعة.

تثوي وراء هذا الموقف الفجوة التي تتجذّر وتتوسّع بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، بحيث وصلت خلال الأشهر الماضية إلى مرحلة غير مسبوقة نهائياً في تاريخ العلاقة بينهما. إذ رفع 'الإخوان' من سقف شعاراتهم وخطابهم، وتجاوزوا ما كانوا يعتبرونه هم أنفسهم 'خطوطاً حمراء' خلال العقود الماضية. وهو وضع لا يمكن فصله عن 'الربيع العربي' وتداعياته، تحديداً على جيل الشباب داخل جماعة الإخوان المسلمين.

يتوازى مع ذلك شعور متنامٍ لدى 'مطبخ القرار' بوجود 'نوايا انقلابية' لدى الجماعة، تتستّر وراء المطالب الإصلاحية التي تؤدّي، عملياً، إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية، بما يخدم الجماعة بوصفها الحزب الأكبر القادر على الاستفادة من هذه الإصلاحات العميقة التي تطاول صلاحيات الملك، ومجلس الأعيان، وسلطات مجلس النواب.. إلخ.
على الطرف المقابل، هنالك نخبة قريبة من أوساط القرار تفكّر اليوم في استثمار ما حدث بصورة معاكسة تماماً للرأي الأول. لكنّها تبدو نخبة محدودة ومعزولة، وتتركّز وجهة نظرها حول فرضية أنّ ما يحدث في المنطقة، سواء في سورية أو العراق، يحجّم من طموحات الإخوان المسلمين التي ارتفعت كثيراً مع الثورات العربية، ويعيدهم إلى 'المربع' الذي يمكّن من التوافق معهم والالتقاء على قواسم مشتركة وخطة متدرّجة ومتدحرجة. وهو سيناريو أفضل كثيراً من بقاء الجماعة خارج مضمار الملعب السياسي، في الشارع، أيّاً كان حجمهم في الشارع!

هذه القراءة، برغم أنّها تبدو وكأنّها خارج سياق المزاج الرسمي ومعزولة عن مؤسسات القرار، تمثّل الاتجاه العقلاني في مطبخ القرار، ويمكن أن تتوصّل إلى صيغة جيّدة مع الطرف الإسلامي لاستدراج نموذج قريب من الحالة المغربية التي تظهر نجاحاً في تحقيق استقرار سياسي ومشاركة فاعلة.

المتحمّسون للحالة المصرية لا يأتون بجديد، ولا يطرحون بديلاً، ولا نجد أي 'إغراء' حقيقي في هذه التجربة؛ بل النتائج التي تلت الانقلاب جاءت عكسية تماماً، وأعادت الإخوان إلى الشارع. وقد استطاعوا تعبئة الصفوف الجماهيرية بسرعة كبيرة، فعدنا إلى 'المربع الأول' من الأزمة والمواجهات والاختلالات التي كانت تسم مرحلة ما قبل 'الربيع العربي'، أو 'الحلقة المفرغة' نفسها التي قادت إلى الثورة.

النجاح الحقيقي للنموذج الأردني يتمثّل في صيغة التعايش بين الدولة والإسلاميين؛ وهي الصيغة التي كانت سبّاقة على الدول العربية الأخرى. فهي أكثر ضمانة للمستقبل وللاستقرار السياسي والاندماج المجتمعي، وتبعدنا عن مخاطر الفوضى، وتخرجنا من عنق الأزمة السياسية، وليست بالصيغة المعقّدة أو المستحيلة إن توافرت رؤية استراتيجية تتجاوز منطق المناكفة والمكاسرة الحالي المتبادل بين الطرفين.

كل ما في الأمر 'ترميم' الجسور، وإحياء هذه الصيغة؛ ببثّ روح جديدة فيها، عبر حوار عميق نحو المستقبل. هذا ممكن، بل هو الخيار والسيناريو الأفضل، مقارنة بـ'إغواء' التطبيل والتزمير للانتكاسة الحالية في المشهد المصري.

m.aburumman@alghad.jo
الغد

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012