أضف إلى المفضلة
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025
الأحد , 19 كانون الثاني/يناير 2025


رسائل متبادلة لا خنادق متقابلة

بقلم : حسين الرواشدة
31-07-2013 01:17 AM
حين كتبت قبل نحو اسبوعين عن خطورة “تقمص” الحالة المصرية من قبل “الفاعلين” في حياتنا السياسية سواء اكانوا محسوبين على الحركة الاسلامية او على الطرف الرسمي او “النخب” الاخرى التي تعاملت مع “الانقلاب” بمنطق الشماتة والتشفي، لم يخطر ببالي ابدا ان يتسابق الجميع نحو هذا الفخ وينجروا اليه بمثل هذه السرعة.
اشارات “التحريض” الاعلامي والتصريحات الحماسية التي ردّت عليها دفاعا عن “الشرعية” جعلتني آنذاك اتوقع بأن “الحكماء” على كافة الاطراف سوف يلتقطون “الازمة” ويتعاملون معها بحسابات “داخلية” محضة، ذلك انه لا يمكن ان نتصور بان ثمة مصلحة “لبلدنا” في استيراد مشكلة لسنا طرفا فيها، وفي “تقمص” ادوار كارثية شهدنا تبعتها وارتداداتها في الشقيقة مصر وكأنه ينقص بلدنا المزيد من الازمات او كأننا عجزنا عن “نقل” التجارب السياسية الناجحة في بلدانا اخرى فتعمدنا ان ننشغل بادارة ازمات غيرنا او “استضافتها” داخل اسوارنا السياسية.
لكن يبدو اننا على وشك الوقوع في المحذور، ومع انني اتمنى ان لا نصل اليه، الا ان مجرد “التلويح” باتخاذ بعض الاجراءات لمعاقبة الاخوان المسلمين على “تعاطفهم” مع اخوانهم في مصر، اضافة الى “استمرار” بعض اقطاب الحركة الاسلامية في “التصعيد” المنحاز “لرابعة العدوية”، يعني اننا امام ازمة جديدة يمكن ان تتطور وتعمق حالة “الاحتقان” السياسي والاجتماعي في مجتمعنا الذي لم يتعاف من اشكالية الانقسام وثنائية الدولة والاخوان؛ ما يلحق الضرر بأمننا الاجتماعي وبمشروع الاصلاح الذي ما زلنا “نتدافع” لاعادته الى سكته الصحيحة.
من واجبنا هنا ان ننتبه الى بضع مسائل اذا اردنا حقا ان نتجنب ارتدادات “الزلزال” المصري، اولاها ان الازمة بين العسكر وحلفائهم وبين الاسلاميين وشركائهم لم تحسم بعد لصالح اي طرف، وما يهمنا –هنا- هو انها عمقت انقساما كبيرا داخل المجتمع وبالتالي فهي حالة “فشل” سياسي يفترض ان نتعامل معها وفق اضيق الحدود ودون ان نسقط حساباتها على واقعنا السياسي او ان “نستنسخها” بهذا الشكل المغشوش، وثانيها ان علينا ان نتذكر بان اداء الاخوان المسلمين في العامين ونصف العام المنصرف اتسم الى حد كبير “بالتعقل” وبالحرص على المصلحة الوطنية، وبالالتزام بقواعد العملية السياسية حتى وان اختاروا مقاطعتها والبقاء في الشارع فهم لم يقعوا في ممارسة العنف ولم يتجاوز شعاراتهم “اصلاح النظام”، صحيح ان ردود افعالهم كانت احيانا غير محسوبة سياسيا وصحيح ان بعض قياداتهم كانت تتصرف بحماسة زائدة احيانا لكن الصحيح ايضا هو انه لا يجوز التعامل معهم من زاوية موقفهم من “الحدث المصري” فقط ولا يجوز معاقبتهم لمجرد تعاطفهم وحراكهم بشكل سلمي تجاهه، كما انه من غير المألوف سياسيا في بلادنا ان نسد ابواب “التفاهم” معهم ونتعمد حلول الاقصاء والاستئصال لان الخاسر عندئذ ليس الحركة فقط وانما الدولة والمجتمع اللذين “خرجت” منهما الجماعة وتعهدا براعيتها طيلة العقود الماضية، ناهيك عن الدور الذي نهضت به الحركة في “التمكين” السياسي والاجتماعي داخل بلدنا، وهذه تحسب لها ولا يجوز ان تدفعنا لحظة “انفعال” للانقلاب عليها.
ايضا من المسائل التي يفترض ان تنتبه لها “الجماعة” ضرورة مراجعة التركيبة الحالية “للحزب” والجماعة، ليس من باب التلويح المستمر بحل “الجماعة”، او الخوف من تهديد “اقصائها”، وانما من منطلق “توزيع” الادوار، ومع ان الحركة تأخرت كثيرا في “ترسيم” هذه العلاقة ودفع “ذراعها السياسي” ثمن استقوائها عليه الا انه من الضروري لمصلحة الحركة والمجتمع ايضا ان يأخذ الحزب المرخص دوره السياسي الكامل وان تتوسع الجماعة في دورها الدعوي الذي تعطل احيانا لأسباب مختلفة، وبهذا تضمن الحركة لها حضورا سياسيا من خلال الحزب وحضورا اجتماعيا ودينيا من خلال الجماعة، ولها في “التجربة المغربية” أنموذج يمكن الاستفادة منه.
بقيت مسألة اخيرة وهي ان “مناخات” الانقلاب ضد الاسلام السياسي في اكثر من بلد عربي تمنحنا –دون غيرنا- فرصة لمدّ الجسور مع “الجماعة” وفق معادلات يمكن ان نتميز بها، واعتقد ان “الحكماء” على الطرفين الرسمي والاسلامي يدركون تماما ان “صيغة” التوافق هي الوحيدة التي تحقق مطالب المجتمع الاردني، وتتناسب مع تريكيبته ومع جغرافيته ومع الدور الصعب المفروض عليه ان يقوب به، لان اشهار حالة الطلاق والانقسام السياسي ستدفعان الى اضعاف الجميع واستنزاف طاقاتهم وتجريد بلدنا من “ميزة” خاصة به وهي “الاعتدال” والعقلانية ونبذ القطيعة والكراهية على قاعدة “ادارة الاختلاف” واحترام الرأي والرأي الآخر والاكتفاء بالرسائل المتبادلة بدل “الخنادق” المتقابلة.(الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012