أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


الاسلام وفكرة الدولة

بقلم : د. رحيّل غرايبة
29-08-2013 12:40 AM
الاسلام عبارة عن مجموعة من المبادئ والقواعد والقيم التي استطاعت أن تنشئ مجتمعاً مكتملاً قائماً على التعددية الدينية والفكرية والعرقية، واحترام الحريات والاعتراف بالاختلافات الإنسانية منذ اللحظة الأولى، ولذلك وجدنا أن دولة المدينة الاولى كانت تتألف من شعب يحوي مجموعة ديانات ومجموعة أعراق، فكان هناك اليهود، وكان هناك النصارى بالاضافة الى المسلمين، كما وجدنا أن المجتمع يتشكل من أصول عربية على الأغلب بالاضافة الى بعض الأصول الحبشية والافريقية وكذلك الأصول الفارسية والأصول الرومّية، وكلهم كانوا يشعرون بالمساواة التامة في أصل الكرامة الآدمية وأمام القانون والعدالة دون أدنى تمييز.
الدولة هي دولة المجتمع دون اطلاق اي وصف او اي اسم الا من قبل المؤرخين، فالمجتمع هو الذي يختار رجال السلطة، وهو الذي يشكل مؤسساتها، ويصيغ أنظمتها ولوائحها التشريعية، من خلال منظومة القيم التي تحكم المجتمع ،ومن خلال المرجعية الفكرية العليا؛ التي يحتكم اليها الأفراد والمواطنون على اختلاف أصولهم وأديانهم.
ومن هنا فإن الدولة تتسم بالصفة المدنيّة، بمعنى أنها دولة مدنية من صنع المجتمع، وتدار من رجال يتشربون قيمها، ويستلهمون اجتهاداتهم الادارية من هذا الإطار الحضاري الجمعي العام، ولم تكن تخضع لحكم رجال الدين ؛الذين يحتكرون الفهم الديني، أو أنهم يحتكرون النطق عن الاله أو الرّب، لأن الاسلام دين متاح لكل الأفراد، الذين يتفاوتون في الفقه والفهم والفكر، ويترتب على ذلك تفاوت في الاجتهاد بشكل حتمي، وكل الاجتهادات محل للنقاش والحوار والنقد، والأخذ والرد والاستدراك والابطال، وليس هناك اجتهاد معصوم ،او اجتهاد فوق النقد والنقاش.
الأمة تختار ممثليها، الذين ينبغي أن يكونوا على قدر من العلم والخبرة والدراية والحكمة، التي تؤهلهم لاختيار الاجتهاد المناسب؛ الذي يحقق المصلحة العامة في ذلك الوقت وفي ذلك المكان، الذي يحظى بالاجماع أو التوافق، أو الأغلبية ،التي تحوّله الى تشريع ملزم.
كل القوانين التي يتم صياغتها من اجل تنظيم أي شأن من شؤون الدولة والمجتمع، في أي مجال من مجالات الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ما هي الاّ شكل من أشكال الاجتهاد، الذي يستند الى المرجعية القيمية، والتراث الفقهي الواسع، ويستند الى التجارب والاجتهادات السابقة في مراحل التاريخ، فهي ليست معصومة، وليست ثابتة خارج اطار التحديث والتطوير العقلي البشري.
إدارة الدولة تشتق رؤيتها من خلال المبادئ والقواعد العامة التي أرساها الاسلام، والتي تتوافق مع العقل السليم، وتخاطب العقل الانساني ابتداء، كما أنها تستفيد من كل تجارب البشر، وما تحصل لدى البشرية من خبرة متراكمة؛ في كل مراحل التاريخ ،وفي كل بقاع الدنيا، ومن خلال البحث عن الحكمة أينما وجدت، ومتابعة تطورات الفكر الانساني لدى كل الأمم، بما يحقق المصلحة والخير، وينفي الضرر ،ويقلل الوقوع في الزلل والخطأ بلا أدنى حرج.

الأمر الاخر الذي يحتاج الى تنويه؛ أن الأمور المتعلقة بالدين والعقيدة، مثل العبادات، ومواضيع الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وغير ذلك، فهذا مرده الى المرجعية الدينية الخاصة بأصحاب كل ديانة بلا تدخل من صاحب السلطة، سوى ما يتعلق بالأمور التنظيمية ،التي تنفذها السلطة الحاكمة بالاتفاق مع أصحاب الشأن، من أجل ارساء الأمن والاستقرار المطلوب، أما شؤون الدنيا الأخرى من زراعة وصناعة وتجارة واقتصاد و كل شؤون الحرف، وتأمين وسائل النقل والاتصال، وشؤون الجيش والعسكر والأمن،وتامين الحدود الخارجية، والعلاقات الدولية، والتعليم والتدريب وتطوير عقول الناشئة، فكل ذلك خاضع للقاعدة المشتقة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، ويكون مرد الأمر فيه إلى الخبرة البشرية والمقدرة العقلية والمستوى العلمي، الذي لا يفرق بين دين ودين، ولا يفرق بين عرق و عرق، كما لا يفرق بين رجل وامرأة، أو صغير وكبير، مما يفرض اختيار الأكثر كفاءة والأكثر قدرة، من كل مواطني الدولة على قدر المساواة دون تمييز أو تعصب، وهذا ما يندرج تحت قاعدة (أهل الذكر)، التي وردت في القرآن في سياق «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» .
بقي القول حول مسألة الحريات الشخصية، فينبغي أن تكون محسومة من جهة حسم حرية الاعتقاد والدين التي وردت بشكل قاطع في الآية المحكمة: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» ،التي تعني بلا خلاف: انه لا يجوز استخدام السلطة ،ولا يجوز استخدام كل أشكال القوة والعنف من اجل فرض العقيدة والفكر على أي إنسان، كما تعني هذه الآية نفي كل أنواع الإكراه على الارادة الإنسانية في المأكل والمشرب والملبس والتنقل والمسكن والمراسلات وكل الحقوق والحريات، ولا يملك أحد أي سلطة في الإكراه إلا فيما يتعلق بالنظام العام، ومنع الاعتداء على الآخرين. ولا يملك الدعاة في هذا المجال؛ إلَا الحوار بالتي هي أحسن، واستخدام الأدلة بالمحاججة، التي تقتضي احترام الرأي الآخر ،امتثالاً لقول الله «إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ» .(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
29-08-2013 03:44 AM

جميل! هل من مزيد؟

2) تعليق بواسطة :
29-08-2013 10:42 AM

اعتقد ان هذا الكلام يجوز في ظل الدولة الاسلامية الحاكمة بشرع الله
ولا يجوز الخلط بين الحرية الديمقراطية وبين لا اكراه والتي تقتظي ان يعيش اصحاب الديانات الاخرى في ظل الدولة الحاكمة بامر الله لا بامر الهوى كما يريده ديننا لا كما تريده ديمقراطية الغرب والشرق.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012