أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


الجميع يربح من الصفقة عدا الشعب السوري

بقلم : باتر محمد علي وردم
14-09-2013 02:08 AM
ستدخل الصفقة الأميركية-الروسية تاريخ العلاقات الدبلوماسية في العالم باعتبارها أنموذجا على اتفاق سياسي في لحظة أزمة دولية تمكن من “إراحة” كافة الأطراف المشاركة في الأزمة باستثناء طرف واحد وهو الشعب الذي يدفع منذ اليوم الأول الثمن الأكبر للصراع. سواء كانت زلة لسان من جون كيري أو فكرة تم “طبخها” في أروقة مؤتمر العشرين الكبار فإن هذه الصفقة كانت العلاج السحري لحالة مستعصية من الصراع السياسي والصراع على النفوذ والإرادة. تسليم سوريا لسلاحها الكيماوي لما يسمى “المجتمع الدولي” كمخرج لإزالة خيار الضربة العسكرية هو المفتاح السحري الذي جعل خمسة أطراف رئيسة تربح كل شيء.
الولايات المتحدة وإدارة أوباما تمكنت من تجنب الانغماس في مستنقع الصراع في سوريا مع الحفاظ على “صورة”الرئيس الأميركي أمام العالم وتهديده بان استخدام السلاح الكيماوي هو “خط أحمر”. بعد سقوط الدعم البريطاني نتيجة التصويت في البرلمان وتزايد ردود الفعل الدولية الرافضة للخيار العسكري جاءت الصفقة لتجعل الإدارة الأميركية تتعامل مع الهدف الرئيس لها وهو السيطرة على الأسلحة الكيماوية في سوريا وعدم وصولها إلى يد التنظيمات المتشددة المعارضة أو حزب الله الذي لن يكتفي بالاحتفاظ بحق الرد كما النظام السوري بل قد يستخدمها فعلا ضد إسرائيل.
روسيا تمكنت من حماية حليفها بشار الأسد وفي نفس الوقت فردت عضلاتها في المنطقة وأثبتت بأنها قوة لا يستهان بها وأنها لن تسمح لواشنطن بتنفيذ الأمور على طريقتها هذه المرة. موسكو أكدت للجميع بأن اي خطوة يتم اتخاذها في المسار السوري لن تمر من دون موافقتها. إسرائيل اطمئنت نسبيا بأنها لن تتعرض يوما ما للاسلحة الكيماوية السورية في حال كان التفتيش والتسليم دقيقا بعد أن كان الخوف الأكبر طوال فترة الصراع هي تسرب كميات من مخزون يبلغ ألف طن من مادة السارين إلى ايادي تنظيمات جهادية أو حزب الله. إسرائيل لا توجد لديها مشكلة في بقاء الأسلحة مع النظام السوري الذي يحتفظ دائما بحق الرد ولا يرد.
النظام السوري أنقذ رأسه بهذه الصفقة. لا توجد لديه مشكلة في تسليم اي نوع من الأسلحة أو المماطلة في ذلك وكسب المزيد من الوقت من أجل البقاء في الحكم من أجل العائلة والعصابة والطائفة والمافيا التي تحكم سوريا منذ 40 سنة وتخوض معركة البقاء ضد شعبها. أنصار النظام السوري سعيدون ايضا إذْ يمكن لهم “التشبيح” قليلا بتراجع واشنطن عن ضرب “نظام الممانعة والصمود” وتأثير سوريا على العالم وكسر الإرادة الصهيو-أميركية.
في هذه المعادلة المشتركة من الربح لا يوجد إلا الشعب السوري ليدفع الثمن. محصورا ما بين نظام وحشي لا توجد لديه حدود وموانع أخلاقية في التدمير والقتل وما بين تنظيمات معارضة تحاول فرض نوعية جديدة من الحياة البائسة يبقى الشعب السوري بلا أمل في الخروج من هذه الحالة الرهيبة من الضياع ودائرة العنف وفقدان المستقبل. لا النظام يرحمه ولا المعارضة تحترمه ولا المجتمع الدولي يكترث بشأنه.
جهات كثيرة في العالم وقفت ضد الضربة الأميركية لنظام الأسد لاسباب أخلاقية بنسبة بسيطة ولدعم النظام المجرم بنسبة أكبر. مَنْ منهم سيقف الآن بشكل جاد ليطالب النظام بوقف جرائمه ضد شعبه؟ من أوقف “العدوان الخارجي” هل سيعمل على ايقاف العدوان الداخلي المستمر منذ سنتين ونصف السنة؟ اشك في ذلك.
batirw@yahoo.com (الدستور)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012