أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


عاهاتك ياوطن!

بقلم : ماهر ابو طير
15-09-2013 12:46 AM
أحد النواب كتب على صفحته على الفيسبوك قائلا: «كلنا نحمل وسام عاهاتك ياوطن» والنائب اكاديمي ومثقف ومحترم، بلا شك، وقد اثارت عبارته ضجة كبيرة؛ لأنها تحمل اشارات متعددة وقابلة للتأويل وسوء التأويل.
العبارة اخذتني الى ماهو أعمق؛ إذْ إننا نتبادل جلد انفسنا والشعب والبلد، ولربما تسمع دوما الذي يضيق صدره من الحياة هنا، يقول بشكل اعتيادي: «ارض مالحة ووجوه كالحة» وآخرون يقولون: «يلعن هيك بلد» والشتائم بالعامية تسمعها دوما، ولاتعرف لماذا نتسم بإطلاق الشتائم!، على عكس شعوب أخرى، بل نسترجل على حالنا، ولانترك كبيرة سوداء الا ونلصقها بأنفسنا؟!.
الشعب المصري فريد من نوعه، إذْ لو عانى المصري كل انواع العذاب في مصر او المغتربات، لسمح لك ان تشتمه أو تشتم اهله، لكنه لايقبل ابدا شتم مصر، ولاشعب مصر، ولاتسمع على لسانه شتائم من اي نوع تجاه مصر؛ فقد انزلها مكانة الأم وقدْرها.
عدوى شتم البلد ومكونات البلد، انتقلت عندنا الى العرب، من عراقيين وسوريين وغيرهما، وهم إذْ يسمعوننا نجلد البلد ونأكل لحم بعضنا بعضا، يصبح سهلا لديهم التطاول علينا في حالات كثيرة، وهذا يفسر حوادث مختلفة نسمعها كل فترة.
تسمع ايضا تصنيفات اجتماعية قائمة على الشتم، فهؤلاء يصفون هؤلاء بألفاظ يعز على المرء ذكرها، وهؤلاء يردون على هؤلاء ايضا، والقوالب جاهزة بين الناس، والصورة النمطية المتبادلة باتت ثابتة، من هو جبان ومن هو شجاع،من هو بخيل ومن هو كريم، الى آخر هذه المصطلحات التي باتت تنضح عند كل نقاش بين الناس؟!.
التصنيفات تمتد الى قصص الفلاح والمدني والبدوي، والكل يصف الكل، والكل يضع العيوب في الكل، برغم ان الدنيا اليوم، لم تعد قائمة على التصنيفات القديمة، بل اختلطت الانماط الاجتماعية وإنْ تأثرت بجذورها الاساس.
لو سافرنا واسترقنا السمع في المطار على مايقوله المغادرون؛ لوجدنا حجم الشتائم مرتفعا؛ وكأن الناس تفر من سجن مظلم، غير ان المفارقة انهم بعد ايام فقط يشتد بهم الحنين الى البلد واهل البلد، وكأن حمى الكراهية فارقتهم.
يعيش بعضنا خارج البلد او يزور بلداً لعدة ايام، فيعود إليك ليروي حكاياته، وكل العيوب التي يراها في ذاك البلد،تصبح سمات ايجابية، وملامح تراثية ومزايا شعبية، ويبقى المرءُ متغزلا في البلد الذي اكرمه بوظيفة او زاره بشكل عابر، بل ان المفارقة انه يقول لك عن المتسول في ذاك البلد: انه فقير اجبرته الظروف-ياحرام-على التسول، ويقول عن المتسول البلدي هنا انه نصاب لابد من حرقه!.
لدينا ثقافة كراهية وعدم انتماء للمكان، ويجهد كثيرون في تعزيز الانتماء، ويصير الانتماء دليلا عند البعض على الوطنية الزائفة او النفاق او المزاودة، مع ان هذا البلد على صغر مساحته وقلة امكاناته، تفرد عن غيره بكونه اعظم بكثير من الاخرين، وقلة الانتماء مردها الى التربية في البيوت والمناهج والسياسات الرسمية غير الجمعية، والاصرار على سلب المكان ذاكرته وقيمته التاريخية.
هو من الارض المقدسة، وهو ايضا حمل على ظهره اثقال الجوار بعد ان حلت بهم البلاءات، وتكفيه هذه الميزة امام الله والتاريخ.
ثم ان العيش النكد، وضنك الحياة، لايجعلانك تشتم اهلك وبلدك، ولو رأيت الف قصة في النهار، لاتعجبك، فإن هذا لايقودك الى شتم البلد والناس، ولايأخذك الى الضلالة بعدم رؤية الساطع في الاشياء، والنبيل في الحياة.
نرى شعوبا اكثر فقرا منا، لكنها لاتشتم اوطانها، والمرء لاينسى لجاره كأسا من شاي، فما بالك ببلد احتضن الجميع،وكان يداً حانية؟!.
اشتم الحكومة والنواب والمؤسسات كما تشاء، غير ان البلد والشعب، لايحق لاحد شتمهما، ولاتلطيخ صورتهما، لا تحت وطأة الشعور بالظلم، ولاتحت سيف الحياة النكدة، ولاتحت مبرر الغضب، فالعقوق جريمة لاغطاء لها ابداً.
«ولاتقل لهما اف»..هذه هي الخلاصة!.(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
15-09-2013 02:14 AM

ظاهرة واقعية، والسبب أزمة الهوية التي ما زلنا نعاني منها رغم مرور أكثر من تسعين عاما على تأسيس "الإمارة".

المشكلة في البذور وفي الجذور فحكم آل عون في الأردن أسسه عبد الله الأول الذي لم يكن الأردن بالنسبة له أكثر من مجرد قاعدة ينطلق منها للجلوس على عرش بلاد الشام من دمشق حاضرة بني أمية. كان الأردن أصغر بكثير من طموحات عبد الله، وكذلك كان الأردنيون. لذا يرى قارىء التاريخ أن الملك المؤسس أحاط نفسه بشخصيات جلها غير أردني، وظل يراسل أنصار الملكية في دمشق، وجبل العرب، وجبل لبنان، وفلسطين طامعا بحكمهم ولكن القدر والمصالح الدولية كانا له بالمرصاد فقتل قبل أن ينال مراده. هكذا أراد عبد الله الأول وأعقابه من بعده الأردن: ساحة لا وطنا، وأرضا مفتوحة لكل من يحمل فكرهم لا يرى في الأردن أكثر من وطن مؤقت على طريق البحث عن وطن دائم. حتى جيش البلاد وحامى حماها لم يكن ليحظى بشرف حمل اسم الأردن فكان ولا يزال الجيش العربي، بمعنى أنه جيش للعرب بأسرهم لا للأردنيين فقط فمن نحن؟ عبارة "من شتى الأصول والمنابت" ظلت راسخة في أدبياتنا السياسية والإعلامية واصبح من يجرؤ على المناداة بتعريف الأردني "عدو النظام إلى يوم القيامة" لأنه يعبث "بالوحدة الوطنية".

نعم يشتم الأردني بلده ولا يعني بالشتيمة أرضه ولا أهله بل يعني نظامه وحكومته لأنهما أس الظلم والتهميش، ويشتم غير الأردني الأردن وأهله لأنه لا يعبء بهم ولا بوطنهم السليب. الظاهرة موجودة ونحمل وزرها جميعا حكاما ومحكومين. نحمل وزرها كأردنيين لأننا سمحنا للغريب أن يحكمنا وأن يستعين بالأغراب علينا مقابل فتات من مال أو منصب أو جاه زائف لسراتنا. ويحمل وزرها النظام لأنه أراد طمس هويتنا التاريخية لتبرز مكانها هوية جديدة مائعة فضفاضة تستوعب كل غريب لأنه سيد الغرباء وأسّهم.

2) تعليق بواسطة :
15-09-2013 06:10 AM

ماذا بقيا للأردنين في بلدهم ، اصبح الأردني الأصيل يشعر بالغربة في بلده، و قريبا سيكون الأردني في الأردن كالهنود الحمر في أمريكا .

3) تعليق بواسطة :
15-09-2013 08:09 AM

أبدعت في هذه المقالة أستاذ ماهر أبو طير, حقا كل ما ورد بمقالتك وللأسف هو واقعنا بالبلد الذي كما ذكرت حضرتك نجلده يوميا ولا نراعي مخافة الله بأنفسنا وبوطننا. حقا نعمة الوطن ونعمة الأمن هي من أعظم النعم التي خصنا الله عز وجل بها. فلنتقي الله بوطننا كي يديم علينا هذه النعم

4) تعليق بواسطة :
15-09-2013 08:22 AM

بكفيك مسح جوخ

5) تعليق بواسطة :
15-09-2013 04:23 PM

أي إنتماء تطلبه من اللاجئين من كل الجنسيات والذين حصلوا على الجنسيه بدون وجه حق ...الأردني الأصلي لا يشتم بلده انما يستنكر على النظام حالة التهميش التي ارادها لكل ما هو أردني ...أما باقي المتجنسين فكل هواه لبلده الأصلي وهذا شعور طبيعي ...الأردن في النهايه مأكول ومذموم

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012