أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


نقاش ساخن في الكراج!

بقلم : د.محمد ابو رمان
23-09-2013 01:44 AM
لم أكن على موعد مسبق مع الاستماع لنقاشٍ سياسي ساخن بين ثلاثة أشخاص، جمعتني بهم 'الصدفة' في قاعة الانتظار بكراج للسيارات، كلُّ منهم يمثّل مصالح شريحة اجتماعية معينة وهواجسها.الشخص الأول من أبناء العشائر الأردنية، ويقيم في الخليج؛ ميسور الحال اقتصادياً، لكنه محمّل بكمّ كبير من الاحتقان الداخلي والغضب من الوضع السياسي الراهن. مدخله في الحديث هي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الناس في الأردن، والمواطنون من 'أبناء البلد'، بسبب رفع أسعار السلع المختلفة، وارتفاع الضرائب والرسوم، كما أسعار الوقود.المشكلة عند صاحبنا الأول، مقصورة على أبناء العشائر الذين خسروا نتيجة الأوضاع الاقتصادية أراضيهم ومصادر ثروتهم؛ وهم أشبه بالغرباء في 'السيستم'، ويعانون الأمرّين اقتصادياً. بينما المفسدون من المسؤولين وأصحاب المصالح الاقتصادية، يرتعون في الثروات والأموال والحياة المترفة!أما الشخص الثاني، وهو من أبناء أسرة أردنية أرستقراطية مقرّبة تقليدياً من 'السيستم'، وأعماله الاقتصادية هو الآخر خارج البلاد، فله رأي مناقض تماماً للأول. إذ يعترف ابتداءً بأنّ هناك أخطاء ومشكلات واختلالات في السياسات الداخلية، ونسبة معينة من الفساد المالي، لكنه يرى ذلك طبيعياً في أي نظام سياسي في العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة والصناعية المتطورة؛ والتي فيها فساد أيضاً، وكذلك مشردون وفقراء، وطبقات تكافح من أجل أن تحظى بحياة كريمة في ظل الضغوط الاقتصادية.يرى صاحبنا، الثاني، أنّه مهما كان حجم هذه الأخطاء والاختلالات، فهي لا تقارن بما تشهده الدول التي عاشت ما يسمّى 'الربيع العربي'. ففي ليبيا، تخضع الدولة لمنطق العصابات المسلحة وأمراء الحروب، وتناشد الحكومة اليوم المجتمع الغربي إنقاذ ليبيا. وفي سورية اليوم دمار شامل، ومخاطر كارثية. والأمور ليست أحسن حالاً في مصر واليمن. وهو يصل بعد هذا الاستطراد بشأن ما تمر به الدول المذكورة إلى نتيجة حاسمة؛ بأنّ النظم السابقة على 'علاّتها' كانت أفضل حالاً من الأوضاع الراهنة!الإسقاط المتوقع لهذه الظروف الإقليمية على الواقع المحلي، نجده مشابهاً تماماً لما نسمعه من رئيس الوزراء والمسؤولين؛ بأنّنا نحمد الله أنّ الربيع الدموي العربي 'لم يمر من هنا'، وأنّنا نصحو صباحاً ونغدو مساءً ونحن آمنون على عائلاتنا وأطفالنا؛ فمهما كان حجم الفقر والضغط الاقتصادي، فهو لا يعدل ساعة واحدة تحت مطرقة الفوضى وسندان الدم المراق في الشوارع العربية!الشخص الثالث هو من الطبقة الوسطى في عمان. خسر وظيفته، كما يقول مؤخراً، وقد كان مديراً للمبيعات في معرض قطع سيارات، لصالح العمالة السورية الشقيقة الوافدة. كان في بداية النقاش منتشياً بالنقد اللاذع الذي يوجّهه الشخص الأول للأوضاع العامة في البلاد، وتشجّع لدخول النقاش، قبل أن يتفاجأ بحديث الأول عن الظلم الذي يعانيه 'أبناء العشائر'، وبلادهم التي تضيع من بين أيديهم، وربطه ذلك بـ'الوطن البديل'!حاول الشخص الثالث أن يدير دفّة الحديث بالاتجاه الآخر، عندما قال 'دعنا من الأصول والمنابت، ليست هذه القضية. فأنا طردت من عملي، بينما الحكومة لا تتدخل ولا تحمي المواطنين'. لكنّه بعدما شعر أنّ موضوع 'المظلومية الاقتصادية' لأبناء العشائر هو الذي يحتل حديث الشخص الأول، قرّر مثلي أن يكتفي بالاستماع إلى النقاش!لا يعكس هذا النقاش، بالضرورة، رأي الأغلبية العظمى من الشرائح الاجتماعية. لكنه يدل بوضوح أنّنا فشلنا، معارضةً ودولة، بعد هذه العقود والسنوات والخطابات، في بناء نموذج 'الجماعة الوطنية' التي تعرف أولوياتها، وتحدد التحديات والمخاطر. فهنالك تعريفات متضاربة للإصلاح السياسي وللمواطنة، كما لتعريف الأزمة الاقتصادية، ولتحديد الأولويات والتحديات والتهديدات!m.aburumman@alghad.jo
(الغد)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
23-09-2013 09:32 AM

أخي الدكتور محمد شكرا ً لك على هذا العرض لنقاش يجمع أشخاصا ً لا يعرفون بعضهم في مكان عام و هو يشي في الحقيقة بالكثير و يضع النقاط على الحروف لأنه يوضح هموم فئات مختلفة من المجتمع.

تشخيصي المتواضع للمشاكل التي يواجهها مجتمعنا الأردني ينصب في اتجاه الوضع الاقتصادي بشكل خاص، فالمواطن الأردني من أي أصل و منبت مشغول بلقمة العيش و بتوفير المتطلبات الأساسية و يطمح بحد أدنى من الترفيه المعقول و المحمود، و هو يكابد ليحصل على هذه الأمور حتى إذا مشى في يومه زاد مخزون الغضب و الاحباط و الترقب و القلق لديه بسبب كل ما يشاهده و يسمع به و يحصل معه.

في ذات الوقت تتنازع المواطن الأردني سلطتان إحداهما سلطة الدولة و الوطن و الثانية سلطة الوكالة الدينية التي يفرضها عليه الشيوخ و جماعات الإسلام السياسي، فتجده يؤمن بالدستور الأردني و القانون بينما جزء كبير منه ينزع نحو دستور موازي فرضه عليه الشيخ السياسي حين أقنعه أن هذا التوجه السياسي هو مشيئة الله، فصار المواطن انفصاميا ً يوظف في حياته مرجعيتين تتنازعانه، في نفس الوقت الذي لا يتبلور فيه مفهوم المواطنة تبلورا ً صحيحا ً حيث الأصل و المنبت يشكلان قوة ً كبيرة تتجاذب مع الدستورين السابقين و تطغى عليهم أحيانا ً.

سيدي الدكتور الكريم، إن سبب نجاح الأمم الغربية على اختلاف طرق حكمها سواء ً الديموقراطية منها كأوروبا و أمريكا أو الديكتاتورية منها مثل الصين أو المحكومة بأنظمة اجتماعية نفسية ناجخة مثل اليابان هو أنهم انتهوا منذ عقود طويلة من سياسات التعصب الفكري و المذهبي و الديني و المنشأي و أسسوا دولهم على أساس المواطنة حيث الجميع متساوون أمام القانون، ثم زرعوا هذا الفكر في عقول الشعب أو بالأحرى زرع الشعب في نفسه هذه الفكرة حين أنتج الدولة فأصبح مقياس التعامل هو المواطنة.

و حين آمن الناس بالمواطنة أمنوا بالإنتاج فأصبحوا مجتمعات منتجة و مبدعة لا حجر لديها على فكر أو عقل و تُخضع كل شئ للنقد و المراقبة و القياس، و الهدف النهائي هو: خدمة المواطن.

فقط عندما نصبح دولة مؤسسات و يختفي تمجيد المسؤول و رجل الدين، فقط عندما تصبح كل الناس متساوية فلا نسأل عن منشأ الشخص و بلده الأصلي و دينه و مذهبه داخل الدين، فقط عندما تتوقف الشيوخ عن اتخاذ منصب وكيل الرحمن الحصري في عقول الناس، فقط عندما نحب الإنتاج و الإبداعي و نتوقف عن مراقبة سلوك الناس و محاولة التحكم بهم، فقط عندها سيتحسن اقتصادنا و تتحسن أوضاعنا لأننا سنكون قد سخرنا كل طاقاتنا الضائعة الآن في إنتاج مستقبلي علمي و فكري و صناعي و سوف نتقدم.

مشكلتنا كبيرة جدا ً صدقني.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012