أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


كهولة مبكرة

بقلم : ماهر ابو طير
26-09-2013 02:05 AM
فقدت الاشياء مذاقها،واذ تذهب الى وسط البلد،تكتشف ان الدنيا تغيرت،او انك الذي كبرت في العمر،ولم تعد تشعر بذاك الشغف.
دور السينما مغلقة.امضينا دهرا هنا.والغبار والتراب على واجهاتها، فالستالايت والافلام عبر الانترنت انهت هذه الدور،التي كنا نذهب اليها،ونصفق لبطل الفيلم،برغم ان تصفيقنا له،لن يغير من سيناريو الفيلم،اذ سيفوز البطل مرة،وسيتلقى هزائم في مرات.
التصفيق هنا،فعل جماعي،لم يقنعنا باعة المشروبات الغازية في السينما بتركه والجلوس هادئين،لانه لن يغير من النتيجة على الشاشة ابدا.
المكتبات وحيدة بلا رفقة،والاكشاك تعاني من قلة الاقبال،والكتب لا يقتنيها الا جمهور محدود،وهو ذات الجمهور القديم،والاغلبية باتت تقوم بتنزيل الكتب ايضا على الاننرنت،او تشتري الكتب منسوخة ورخيصة،والمجلات العربية الشهيرة اختفت،لصالح عدد قليل من المجلات التي تبقت والتي تعاني من الاجهاد المهني والمالي،وتنقرض الواحدة تلو الاخرى،دون ان تحظى حتى بفاتحة على روحها الطاهرة او النجسة في بعضها.
مأكلك في وسط البلد،في هذا المطعم او ذاك،اختلف بحق،كنا طلبة في المدارس والجامعات اذ نفر الى وسط البلد ونتناول طعامنا،واليوم تذهب الى ذات الاماكن،واذ بها ليست ذات الاماكن التي عرفناها.
هل تغير المذاق حقا،ام ان الشيب في رؤوسنا افقدنا طعم الاشياء،ام انها الهموم سلبتنا كل مذاق،وتكاد ان تسأل عن الطاهي هل مازال هو ذات الطاهي،فتتذكر ان القصة ليست قصة الطاهي،بل قصتك انت قبله.
تعدد الخيارات في الحياة هذه الايام يفسد عليك مذاق الخيار الوحيد الذي كان سائدا آنذاك،ربما هذا هو سر المقارنات،وهي مقارنات جائرة.
وجوه الناس كئيبة،متعبة،والروح المعنوية هابطة,وذات مرة سألت صحفيا بريطانيا في البصرة يكتب تقريرا لصحيفته ويصف عبره الروح المعنوية للعراقيين بالمنخفضة جدا،حول كيفية استدلاله على ذلك وهو لم يسأل عراقيا واحدا امامي،وهل يلفق تقريره بهذه الطريقة؟!.
قال:انظر الى وجوههم،عيونهم منتفخة من التقلب في النوم،والقلق،ولم يحلقوا ذقونهم،ايضا،وقمصانهم تم كويها على عجل،وخطاهم مضطربة،ويصطدمون ببعضهم البعض في الاسواق،واحذية اغلبهم غير لامعة،والكل يفكر في شيء ما-صافنون وسارحون-ولايضعون تركيزهم على الطريق.
لا يقدر البريطاني ان يسأل عراقيا عن حالته خوفا من الامن العراقي الذي لم يكن يرحم احدا لو شكى او تذمر من حاله.
تبحث عن علامات خبرتها في وسط البلد.هنا كان العجوز الصيني بائع البخور والمسابح،وقد اختفى عند باب المسجد الحسيني،هناك بائع آخر من بخارى،انتقل الى رحمة الله،وولده لا لطف فيه،ولا رقة والولد ليس فيه من سر ابيه،هنا بائع الشماغات العم الكبير،بات مريضا،ولا ينزل الى محله.
هناك شيخ يقيم حلقة تصوف في الحسيني،لم يعد يأت ايضا،وسائق التاكسي وسط البلد يتأفف اذ تستذكر معه سيارات السرفيس المرسيدس من طراز مائة وتسعين وتصف تلك الايام بكونها ايام بركة،فلا يفهم كلامك،اذ ان الرجل ولد بلا ذاكرة اصلا!.
ايام السرفيس وباص المؤسسة والاماني الجميلة،والاحلام التي مازالت في بدايتها ومطلع زهرها،والانثى الوادعة التي لا يقبل رجل آنذاك حشرها بين زمرة رجال في السرفيس،فيترك احدهم مكانه لها،وينزل طوعا،وعيون بقية الركاب تنحني له احتراما،على مروءته.
هرمنا،ام ان المدينة كبرت ودخلت كهولة طوعية،ولم تعد تعرف ابناءها،او ان سيل الاقدام فيها جرف كل الذكريات،فلا تعرف،لكنك تتأثر بشدة على عمان،وقلبها النابض في وسط البلد؟!.

(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
26-09-2013 02:45 AM

Nice article Mr. Abu-Tair. We all changed and downtown Amman changed with us. Unfortunately, although we are getting older with Age, the natural thing is that Amman should get younger, brighter, and better with age. We should ask ourselves why Amman is getting worse? Unfortunately, we are all responsible for turning Amman, especially downtown Amman, into what it is today. I visited Amman this past August after being away from Jordan for about five years. Unfortunately, during this visit, Amman has become worse than anytime I experienced it. It is bad government, bad municipality, bad city planning, bad engineering, and ungrateful citizens

2) تعليق بواسطة :
26-09-2013 09:55 AM

I ,i agree completley to your comment...
AMMAN GETTEING werse becouse of bad gov. !bad engineering, bad moncipality.....and bad citizens

I think...(refujees trade) ,the government policy since1921,is the mean couse of all our problems......and the only way to protect our country is to get red of all refugees in our country since1948...

3) تعليق بواسطة :
26-09-2013 11:01 AM

الكاتب الكريم الأستاذ ماهر،

نحية ً طيبة لك يا أخي الذي ما زال يتذوق جمال السنوات الماضية بكل ما فيها من حلو و مر، و اسمح لي أن أُشاركك بتواضع في تحليل السبب قميا نحن ُ فيه الآن مما ذكرتـَه ُ في الأعلى:

- تميزت سنوات السبعينات و الثمانينات و التسعينات (حتى منتصفها) بتوفر خيارات قليلة مثل وجود قناتين للتلفزيون الأردني، العربية و الإنجليزية، و قناتين لسوريا، مما سهل على الناس عملية الارتباط العاطفي و الاجتماعي بمخرجات هذه القنوات و بالتالي كان تحديد مصدر الانسجام و الاستمتاع البرئ المحمود سهلا ً، و نجم عن ذلك استقرار في العواطف و استمرارية للنهج المُتخذ مع اجتماع الأفراد الكثيرين على الخيار الواحد معززا ً الدور الإنساني و الترابط الاجتماعي.

- أما الآن فإن انتشار التكنولوجيا بدءا ً بالموبايلات الذكية التي أصبح كل واحد مها هو سينما بحد ذاته و مُتصفح كُتب، و دار ألعاب لوحده و جهاز تبادل للنصوص و الصور و الفيديوهات مع الاحتفاظ بوظيفته الأساسية كجهاز "تليفون" و اتصال، و مرورا ً بالرسيفر و الدش و الحاسوب الخاص و الحاسوب المحمول، كل هذا جعل الخيارات كثيرة جدا ً يتوه الشخص فيها و يوجه جزءا ً من طاقاته ووعيه لكل منها و لجميعها، مما جعل المُتعة مُجتزأة غير كاملة و أفقدها زخمها، ناهيك عن استقلالية الأفراد و هم يمارسون هذه النشاطات فلا تجمع و لا جلسة تكثر فيها الناس، و كل شخص لوحده، ففقدنا الاحساس بالترابط الإنساني بيننا.

- عامل آخر مهم جدا ً بنظري: إن ازدهار القطاع الخاص في السنوات الماضية و الذي يتوظف فيه معظم أهل عمان يُجبر الموظفين على اتباع نمط حياو سريع و يتسم بالقلق، فالموظف يبدأ عمله في الثامنة و يُنهي في السادسة مساء ً، و عند عودته إلى البيت تكون أسمى أمنياته قليلا ً من الراحة لعضلاته و الوقت ليقضيه مع زوجته و أطفاله، مما لا يتيح له مجرد التفكير في خيارات خارج المنزل.

- و مع تزايد الأسعار و ثبات الرواتب أصبحت الأولوية للمأكل و المشرب و المُعتدل من الملبس على شراء كتاب أو ارتياد سينما (حدث و لا حرج عن أسعار السينمات المحترمة و التي يمكنك أن ترتادها مع عائلتك الآن).

- و مع ظروف المنطقة السياسية أصبح الشحن السياسي و الديني يتسيدان الموقف و يبنيان نظرة الموظف المسحوق و المطحون نحو نفسه و أفراد وطنه و تخطاها الآن إلى موقف من أُناس لا يعرفهم من دول ثانية في مصر و سوريا و تونس، في مسرحية لا هي بالكوميدية لنضحك و لا هي بالتراجيديا لنبكي لكن مزيج مسخي من كليهما.

انعدام البساطة و تراجع الاقتصاد و تعقيد الحياة و فتاوى شيوخ الدجل و تجار الأوطان هو سبب كل ما تشاهد الآن. الحل هو أن نعود لفطرتنا الإنسانية و نبدأ بالابتسام في وجه الآخر دون أن نسأل أنفسنا أي سؤال شخصي عنه أو نحكم على سلوكه و ملبسه، و أن نسعى لنتلاقى مع بعضنا لنتحدث و نشرب كاسة شاي بيمرمية مثل أول. ساعتها نعود أفضل مما كنا.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012