أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


غيبيات

بقلم : ماهر ابو طير
27-09-2013 01:08 AM
في الاحاديث النبوية،الصحيحة والضعيفة،وفي نصوص كثيرة،غيبيات لا تعد ولا تحصى،والتلاعب بالعقل العربي،يجري عبر مطابقة هذه الغيبيات على كل فترة من الفترات،عبر تأويلات غير صحيحة،يجري تسويقها باعتبارها مؤكدة.

لا تعرف لماذا يتم اللجوء الى الغيبيات دوما،ويغيب العقل،وفي مصر تم جر الجماهير الى معارك دموية،تحت عناوين تبدأ برؤى منامية شوهد فيها جبريل في ميدان رابعة العدوية،وآخر ادعى انه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلي خلف الرئيس مرسي!.

ثالث زعم انه شاهد رؤية تتحدث عن ثمانية طيور خضراء فوق كتف الرئيس،مفسراً الرؤية ان مرسي سوف يعود للحكم ثمانية سنوات،وادارة الجماهيرالساذجة جرت في بعض جانبها عبر تسييل الرؤى وتأويل النصوص.
ما دمنا نحكي عن مصر،فلم يتركنا شيخ ما من تأويل الغيبيات،اذ جاء من يقوم بتأويل الاحاديث حول «صاحب مصر» الذي سيحرر القدس،معتبرا انه الرئيس مرسي،والمفارقة تجلت بشيخ آخر اعتبر ان «السيسي» هو صاحب مصر،وآخر تحدث عن نص آخر يحكي ان مصر وسورية والعراق،ستتعرض الى ظروف مأساوية،معتبرا ان ما يجري هو الواقع المنتظر.

المشكلة ان تأويل الغيبيات،متواصل منذ مئات السنين،وفي كل مرحلة،يتم تأويل ذات النصوص،على انها انطبقت في تلك المرحلة،ولو عدنا الى حقبات سابقة،لقرأنا ذات التأويلات على تلك المراحل،وكأن هذه النصوص لا صلاحية زمنية لها،وجاهزة للتكرار كل فترة.

في الازمة السورية،يخرج علينا من يتلاعب بتأويل النصوص،وفقاً لهواه،فيقول ان السفياني اقترب خروجه،وان الابقع والاصهب سيتحاربان في هذا الزمن،وتحدث مطابقات غريبة على الانظمة السياسية في سورية والاردن وغيرهما.

لو..عدنا الى فترات سابقة ايضا لقرأنا ذات التأويلات على مراحل سابقة،فالمشكلة لاتكمن في النص،احيانا،بل في تأويله والتلاعب في تأويله،وقد رأينا استدعاءاً لنصوص قديمة كلها تم تأويلها عن صدام حسين،وهو مالم يثبت لاحقا،وتم التغرير بالناس!.

تميل هذه الامة كثيراً الى الغيبيات،وعلامات الفتن والملاحم،والرؤى المنامية،لقراءة الواقع والمستقبل،والعنصرالمادي يغيب لصالح الوجدانيات،وهذا يفسر كثرة النكسات التي نتعرض لها،فما زلنا بانتظار الابقع والاصهب،وغيرهما.

في قصة المهدي قصص،اذ ان كل موروث السنة والشيعة معا،يتحدث عن علامات الظهور،وتقرأ عند الشيعة علامات يقولون انها تؤكد قرب ظهوره،وتعتبر ان حكم نجاد لايران احدى هذه العلامات،وانتصارات حسن نصر الله علامة اخرى،وعند السنة تقرأ علامات كثيرة،يتم تأويلها بذات الطريقة،ولم يظهر المهدي السني ولا الشيعي حتى الان.

عبر مئات السنين واذا عدنا الى الكتب والتأويلات لقرأنا عن ظهور الاف الاشخاص الذين ادعوا المهدوية،ولطالعنا كتابات كثيرة،كلها تقول ان علامات المهدي ظهرت في تلك المراحل،فرحل من ادعى ذلك،ولم يظهر المهدي،وتم تسييل الضلالات بين الناس،جراء سوء التفسير والتأويل وادعاء خرق الغيب ونزع حجابه.

النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة قدره لم يقم بادارة الرسالة اتكاء على الغيبيات،بل خضع المسلمون بوجوده للعامل المادي اي الرياضيات والمنطق،وليس ادل على ذلك من ان المسلمين انتصروا في بدر اذ اتخذوا التدبيرات لذلك،وهزموا في احد،اذ تخلوا عن حساباتهم الميدانية،وتم تعليق نتيجة المعركة في مؤتة،جراء اختلال الموازين الميدانية.

هذا يعني ان المسلمين بوجود النبي عليه الصلاة والسلام لم يخضعوا للغيبيات،بل خضعوا للارض وحساباتها،دون انكار فضل التقوى،غير ان خضوعهم للمعادلات المادية بوجود النبي،كان يعني رسالة للجميع،ولمن سيأتي بعدهم ان عليهم ان يديروا شؤونهم باستعمال العقل،لا بالاتكاء على الغيبيات،والخيالات،والتوقعات،والتأويلات،وعلى فكرة النصرة الالهية،التي لا ننكرها لكننا نفهمها بشكل خاطئ للاسف الشديد.

اذا كان المسلمون بوجود النبي عليه الصلاة والسلام ينتصرون في معركة ويهزمون في ثانية،وُتعلق النتيجة في ثالثة،فما بالنا بزمن لاحق،النبي فيه ليس بيننا،ولا العامل الروحاني متوفر،فوق غياب العامل المادي للقوة؟!.

هذا ما فعله العالم المتقدم اليوم،لم يناموا على ارصفة الاحلام،بل سعوا علما ونهضوا من كبواتهم كما المانيا واليابان،ومازلنا نحن نقول ان الدنيا آخر وقت،وننام ونحن واثقين ان النصرة ستأتينا ونحن لا نصنع عود كبريت،بل نفرط في تأويل النصوص،واقناع العوام ان كل هذا الخراب الدموي في منطقتنا،سبق الكلام عنه،وبالتالي لا جدوى من مقاومته باعتباره قدراً مقدوراً.

تعم الغيبيات،ويغيب العقل،وعلينا ان ننتظر المزيد من خيبات الامل،لاننا فرطنا بأهم جوهرة أودعها الله تعالى في كل واحد فينا،اي العقل،الذي نقوم طوعا بإنامته واهانته،لصالح رؤية منامية،او اعتقاد هذا أو ذاك.

حال هذه الامة مثل السيارة التي نفذ منها الوقود،ولو اجتمع الف رجل،لتشغيلها قائلين يا الله بصوت مرتفع،ومن قلوبهم لما تحركت،ولو جاء واحد وسكب في خزان السيارة لتراً من الوقود لاشتغلت،فالقصة ليست عدم الثقة بالله تعالى،بل استعمال العقل الموهوب من الله.
تزييف الوعي،هو كارثتنا الكبرى.
(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
27-09-2013 03:52 AM

Mr. Abu-Tair, this is probably the best article you have ever written. I will add to that all the none sense we keep hearing about relative to the scientific mericales in the Holly Quraan. Not to mention all the bullshit we keep hearing relative to the conspiracy theories

2) تعليق بواسطة :
27-09-2013 07:32 AM

اشكر الكاتب على تناول هذا الموضوع بجرأة، لكن انصحك بارتداء القناع تحسبا للهجوم الكيماوي من جماعات التكفير على هذا الطرح المتقدم. وفقك الله

3) تعليق بواسطة :
27-09-2013 08:29 PM

.
-- مقال جريء متوازن في قضية تعاني الامة من اثارها السلبية.

-- الاستاذ ماهر مميز متى كتب كمفكر شاب مستقل مستنير و يختلف الامر كثيرا متى كتب كجهاد الخازن و لذات الدافع .

.

4) تعليق بواسطة :
27-09-2013 09:49 PM

قد لايوجد مسلم واحد في هذا العصر يحفظ ماذ قال الرسول صلى الله علية وسلم في خطبة حجة الوداع من تسلسل احداث الى قيام الساعة وبعض ماجرى اشير لها ومايجري هو اجزاء من الكل مماسيحدث والله اعلم ؟؟؟

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012