أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


الانهيار النيابي مجددا

بقلم : د.باسم الطويسي
27-09-2013 11:32 PM
على الرغم من بعض الإنجازات البسيطة التي حققها المجلس النيابي الحالي، وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات الإصلاحية والكفؤة، إلا أن المجلس بدأ العد التنازلي الفعلي، وللأسف، على طريق الانهيار، كما حدث مع المجلسين السابقين. فصورة المجلس الحالي أخذت بالتراجع السريع، ليس على خلفية تحويل جلساته إلى حلبة مشاجرات بدون معنى، ولا حتى من جراء الرصاص المتطاير تحت القبة، بل المسألة المتكررة والتي تضرب على أعصاب الرأي العام، وتضرب بالتالي المجلس في مقتل، تبدو حينما يصل العطب إلى الوظيفة الأساسية للبرلمان، والمتمثلة في ضعف التشريع.
المشكلة أن النواب الذين أشبعونا كلاما في الحرص على صورة المجلس، عادوا إلى البحث عن امتيازات ومصالح ضيقة، والعمل على إسنادها تشريعيا. وهو ما حدث في قانون التقاعد الذي أجاز للنواب الجمع بين الراتب والتقاعد، ورفع رواتب النواب؛ في عمل استفزازي، بل وفيه الكثير من الابتزاز للمجتمع والدولة، وسبق أن كان الأساس الذي أدى إلى دراما انهيار المجلس السابق. ويعلم المجلس الحالي أن القانون ذاته وصل إلى طريق مسدودة، ورُفض في الحلقة الأخيرة من الإجراءات الدستورية، من قبل الملك. فما الذي دفع النواب إلى هذه الطريق؟
تبدو خطورة المسألة في قدرة المجلس على تشخيص المصالح العليا للبلاد، والمتمثلة في طبيعة الإدراك السياسي والاجتماعي لخطورة ضعف أو أخطاء التشريعات التي يسنها المجلس. وهذا ما يعيدنا إلى مربع الأمية السياسية التي ندفع ثمنها نتيجة مخرجات قانون الصوت الواحد.
خلال أقل من شهر، ذهب المجلس إلى سن سلسلة من التشريعات، أقل ما يقال فيها إن كلا منها خطيئة بحد ذاته. فإلى جانب قانون التقاعد والبحث عن الامتيازات الشخصية، ارتكب المجلس خطيئة أخرى من منظور اقتصادات الاستدامة بحق مؤسسة الضمان الاجتماعي، حينما أصر على ربط الراتب التقاعدي المبكر بمعدلات التضخم، بعد أن رفض مجلس الأعيان هذا التعديل، استناداً إلى مبررات طرحها الأعيان وتؤكدها كافة الدراسات، وهي أن تلك التعديلات سوف تضرب المركز المالي للمؤسسة وحقوق المؤمن عليهم فيها، كما ستُضر بشكل عميق بالأمن الاجتماعي، لعدم التوازن بين الإيرادات والنفقات والمستحقات؛ بل من المتوقع ان تتعرض 'الضمان' للإفلاس خلال 35 عاما وفق هذه المعادلة.
الحال تتكرر، وإن بشكل آخر، في قانون المؤسسات العامة المستقلة. إذ ذهب المجلس، بحثا عن الشعبية السريعة، إلى سن قانون غير مدروس بعناية، تم بموجبه إلغاء مؤسسات واستحداث أخرى. ومع أن قصة تضخم المؤسسات العامة المستقلة هي قضية رأي عام، وواحدة من أهم مطالب قادة الرأي والحراك الشعبي على حد سواء، إلا أن الطريقة التي تمت من خلالها المعالجة القانونية أقل ما يقال بشأنها إن فيها الكثير من الارتجال والشعبية.
لماذا يتكرر ذلك في ما يفترض أنها أكثر مؤسسات الدولة حاكمية ورشدا وعقلانية؟ بكل بساطة، لأن شروط البنية التقليدية التي هيأت الظروف، على مدى عقدين، لزبونية نفعية بين أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما تزال قائمة في معظمها. وهي البنية التي أفقدت البرلمان معناه السياسي وقيمته المجتمعية، وأسهمت إلى جانب عوامل أخرى، في تراجع مكانة الدولة في عيون مواطنيها. تلك الشروط مرتبطة بطبيعة تكوين النخبة البرلمانية، والتي تُعزى في جانب منها إلى قانون الانتخاب الذي جعل نصف أعضاء المجلس الحالي من المجالس السابقة، وساهم في عودة التجار ورجال الأعمال الجدد من جديد، مقابل غياب تمثيل حقيقي وعادل للطبقة الوسطى، وغياب تمثيل حقيقي وعادل للقوى السياسية الشعبية الجديدة، وعلى رأسها الحراك الشعبي، وتكرار تصدير المحافظات لنخب من الوجهاء الاجتماعيين المصنعين الذين يسهل انفصالهم عن قواعدهم الاجتماعية، لصالح الارتباط بفئات مؤثرة من خلال العطايا والامتيازات والمحسوبيات.
على كل الأحوال، فإن البحث عن الامتيازات والمصالح بقي في السابق والحاضر يتطلب علاقة زبونية محترفة مع السلطة التنفيذية. وإن لم تتحقق تلك الامتيازات، فإنه يتم اغتصابها بقوة التشريع.
(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012