أضف إلى المفضلة
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025
شريط الاخبار
شمول مكافآت وحوافز العاملين في الأمانة بالضمان الاجتماعي ترامب بعد التنصيب: العهد الذهب لأميركا بدأ الآن .. والحكومة السابقة دافعت عن مجرمين أمانة عمان الكبرى تعلن عن توفر وظائف شاغرة ترمب رسميا الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأميركية الملك يتفقد مشروع مساكن الملاحة في دير علا المكون من 400 وحدة - صور الامانة تعلن إيداع قوائم التخمين 2025 عطية يسأل وزير الصحة عن اسماء شركات اللحوم الفاسدة الملك يلتقي المكتب الدائم لمجلس النواب اللجنة القانونية النيابية تُقرّ عددا من مواد (الوساطة لتسوية النزاعات) الجمارك: ضبط 17000 عبوة من الجوس المقلّد المنتهي الصلاحية احالات الى التقاعد المبكر في التربية - أسماء إصابة لاعب المنتخب الوطني لكرة القدم خيرالله خلال معسكر الدوحة رئيس الوزراء يوجّه باتخاذ كامل الإجراءات لتصويب المخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة إعلام إسرائيلي: فشل مدوٍ للجيش وحماس حققت أهدافها وفاة خمسيني بحادث دهس في الزرقاء والأمن يبحث عن السائق
بحث
الإثنين , 20 كانون الثاني/يناير 2025


نعمة الصمـت..!!

بقلم : حسين الرواشدة
28-10-2013 12:47 AM
أدركت -اخيرا- انه لا يوجد في الدنيا نعمة أفضل من نعمة “الصمت”، فالكلام الطويل عاقبته الندم ، وحرية الصراخ في الميادين و الشوراع تفضي الى الفوضى، والاحتجاجات التي تابعنا فصولها على مدى الاعوام الثلاثة الماضية اعادتنا الى الوراء.
أرجو ألاّ يتهمني القارئ الكريم بانني اتناقض مع نفسي حين ادعو الى الصمت بعد ان واظبت طويلا على الانتصار لحرية التعبير (والكلام) وعلى الاشادة بمطالبات الناس وحقهم في الاحتجاج ، ذلك انني اكتشفت بان ما فعلناه - للاسف - لم يخرج عن اطار (اثارة الضجيج) اما الطحين فقد كان صفرا بامتياز.
ما علينا، ربما يشعر احدنا احيانا بالاحباط فلا يجد ملاذا للخروج من محنته سوى (الانعزال)، ربما تجتاحنا احيانا موجة من الاكتئاب فنزهد في الكلام ونؤثر التأمل والسكون،ربما تفزعنا الشاشات بما تفيض به من دماء وصور فنقرر اغلاق النوافذ ونهرب الى الشارع او نخلد الى النوم.
مهما تكن الاسباب التي تدفعنا الى الترشيد في الكلام(اسوة بالترشيد في استخدام المياه والوقود ..والطعام ايضا..!)،فانني استأذن القارئ الكريم هذه المرة في مخالفة القاعدة التي استند اليها في مهنتي(اقصد قاعدة الكتابة والكلام) ، وادعو في هذا الوقت تحديدا الى حرية (الانصات) - ان شئت - حرية الصمت ، هذه التي يبدو كما اسلفت اننا بحاجة اليها ، لا باعتبارها فضيلة فقط ، وانما ضرورة لكي نشعر بعاقبتنا النفسية ، وفريضة - ايضاً - لارضاء ضمائرنا المتعبة من القلق.
طبعا مبررات الصمت عديدة، اقلها انها تريح نفسك من جهد لا نتيجة له، وتضمن األاّ تنام في المقبرة ولا تزعجك كوابيس الاموات، وتتفادى لغط التأويلات المغشوشة التي يمارسها النمامون -وما اكثرهم -، وتمارس فرصتك في متابعة المشهد من بعيد دون ان تنخرط في التفاصيل ،وتترك لغيرك من( الجهابذة ) القيام بالدور الذي استقلت منه .
بصراحة اكثر، اكتشفت ان المطلوب منا ان نتكلم وان نصرخ لكي لا نفعل ولا نعمل ،فالكلام يبرئنا امام غيرنا باننا قمنا بالواجب وزيادة، ويطمئن الاخرين بان هذا اقصى ما يمكن ان نقوم به ، وبالتالي فان الكلام قد يكون دليلا على العجز فيما قد يكون الصمت(والانصات)دليلين على الحيوية والعافية.
اذن ،ارجو ألاّ تظن بي السوء حين ادعو الى الصمت،ففي الدين ثمة دعوة الى الانصات ، عند تلاوة القرآن مثلا يتوجب على السامعين ان (ينصتوا) ويخشعوا لكي يقهموا ويتدبروا، وعندما يقف خطيب الجمعة على المنبر لا يجوز لجمهور المصلين ان يكسروا حاجز (الانصات) التزاماً بعدم افساد صلاتهم ، وبهذا المعنى - وغيره مما يتكرر من دعوات للامساك عن الكلام غير النافع - يكون الانصات (عبادة) ، أضف لذلك ان فقهاءنا وضعوا (الحياء والصمت) علامتين من علامات اكتمال فقه الفقيه وعلمه.
في تراثنا - ايضاً - ما يشير الى المعنى ذاته ، فكلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة كما يقول النفري الصوفي ، وصمت الانسان دليل على رزانته وحكمته ، واذا كان الكلام من فضه فالسكوت من ذهب ، وفي علم الصوفية يخضع (المريد) لتمارين صعبة يتعلم من خلالها (فن) الانصات والصمت ، كما ان الصيام عن الكلام كان امتحاناً لأحد الانبياء ، وهو في الفلسفة حضور للذات والروح واكتشاف للوجود الانساني ، او - بتعبير الجاحظ - (بلاغة) ، حيث السكون والاشارة للمعنى اعلى مراتب (البلاغة).
في مجتمعاتنا العربية -خاصة في السنوات الثلاث الاخيرة:- حيث الثورات التي لم تهدأ بعد- انتصر منطق (الثرثرة) على منطق (الانصات) ، وتغلبت ثقافة (الكلام) بأنواعه وأنماطه على ثقافة (الاستماع) او الصمت ، ويكفي ان تتابع ما يدور في ميادين احتجاجاتنا و فضاءاتنا السياسية والاعلامية من حوارات لتكتشف بأننا ما زلنا (فقراء) جداً لفقه (الانصات) ، وضحايا لهيمنة اللسان على العقل ، ومصابون بهوس غريب يدفعنا لمقاطعة المناظر وتوبيخه واصدار الاحكام ضده حتى قبل ان نسمع رأيه .
مشكلة ربيعنا العربي هي ان السنتنا انطلقت فجأة فيما ظلت عقولنا صامته ،واجسادنا تحركت في كل اتجاه فيما (رؤوسنا) ظلت جامدة،وشعوبنا انتفضت مطالبة بالتغيير فيما (نخبنا) اختطفت الكلام والصراخ وجيرته في ارصدتها التي كانت مفلسة،ولو حدث العكس ، وكان لدينا القدرة على ترشيد الكلام لصالح ابداع الافعال،او حتى الصوم عن الكلام لمواجهة موجات الشيطنة ومحاولات اجهاض ارادة الناس ،لما انطبق علينا المثل(اشبعتهم شتما وفازوا بالابل).
في وقت مضى من تاريخ البشرية كان (النطق) علامة تميز الانسان عن غيره من المخلوقات ، ثم اكتشفنا ان غيرنا من (الكائنات) تمارس هذه النعمة وتتقنها ، مما دفعنا الى تمييز الانسان (بالضحك) ثم (بالعقل) والارادة ، لكن الصحيح ان الانسان في جوهره مخلوق (منصت) لأنه لا يمكن له ان يجيد الكلام بوعي الا اذا تعلم (الانصات) ومن أسف اننا - في مدارسنا - نتعلم نطق الحروف قبل ان نتعلم (مهارة) الانصات.. وفضيلة الصمت.. وبلاغة الاقلاع عن (الكلام) متى كانت قوة اللسان اشد اغراء من قوة الجنان.
إذا سألتني لماذا تتكرر اخطاؤنا ، ولماذا تغيب قيمة التوافق في مجتمعاتنا ، ولماذا تفشل حواراتنا ، وتتصاعد خلافاتنا ، وتتصادم خياراتنا؟ لماذا تراجعنا في الاصلاح السياسي والنهوض الحضاري ، ولماذا افتقدنا ما افتقدناه من قيم الاحترام والتفاهم والتعاون؟ سأقول لك على الفور: لأننا نتكلم اكثر مما نسمع ، ونسمع اكثر مما ننصت.. لأننا سقطنا في امتحان (الانصات) ولم يعد (لآذاننا) سوى وظيفة (استراق) السمع.. وحتى هذه للاسف نستخدمها في المزيد من النميمة والثرثرة فقط.(الدستور)

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
28-10-2013 09:17 AM

الصّمت ليس نعمة بحد ذاته، فهناك صمت ضعيف وآخر قوي وهو ما نريده ونطمح له، ولكنّ النّعمة هي أن نملك ثقافة الصمت وفنّه فنجني بالتالي فوائده.

أستاذ حسين: أنا معك وعلى كل عاقل في هذه الأحوال التي كثر فيها اللغو واللغط...؛ أن ينمّي في دواخله (ثقافة الصّمت)، وإن كانت غير موجودة فليجدها ويدرب نفسه عليها...، ليعطي نفسه الفرصة الكافية للتحليل والتمحيص أو على الأقل يحافظ على تكيّفه وتوافقه مع نفسه من جهة ومع الآخرين ومجتمعه من جهة أخرى...

بعد شكري وتقديري...؛ أدعوك لأن تقول معي: يا رب تفرجها فالبلد يجتاحه اللغط واللغو من كلّ جانب وندعو الله أن ينجّي الأردنّ والأردنيين من القوم الظّالمين وهو ما أراه، وما جعلني كذلك هو مسلّمة أنّ المكر السّئ لا يُحيط إلّا بأهله...والسّلام.

وأخيراً؛ أهدي إليك ما قاله الجميل الرّائع الأمير خالد الفيصل إذ يقول:

لا تشتكي من جور الايّام للناس

.....إدفن اهمومك في ثرى الصّمت كلّه

هذاك يفرح للقى جرح الاحساس

.....وهذا إمْناه للقى فيك علّه

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012