05-11-2010 04:48 PM
كل الاردن -
بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ظهر أن مجموعة بشرية صغيرة مجهولة في دير علا في وادي الأردن، لم تكن كما كنا نعتقد في السابق مجموعة بشرية بلا قيمة. فقد قدم باحث في علوم الآثار من جامعة ليدن الهولندية استخدم في أبحاثه أحدث تكنولوجيا المسح الضوئي، صورة عن حضارة غنية وقوية ومتقدمة تقنيا. الأدوات الفخارية التي لا يمكن الآن محاكاتها، هي الدليل الواضح.
"لا نستطيع الآن تقليدها. أدوات تصنع بتركيبة دقيقة جدا، إنه لأمر غريب، معقد للغاية... ماذا أقول، نعجز عن الكلام. إنه لأمر محير حقا". هذا ما يقوله عالم الآثار الهولندي نيلس خروت (Niels Groot) الذي استخدم جميع معدات البحث المعتمدة على التكنولوجيا العالية في الجامعة التقنية الهولندية ديلفت، بهدف دراسة قطع فخارية موغلة في القدم مغطاة بسطح أملس دقيق ومصقول.
ثوان مميتة
قبل أكثر من 1200 سنة قبل الميلاد، كانت ضربة واحدة كافية للقضاء على شعب "ديرعلا"، إذ محا زلزال مدمر المدينة الصغيرة الواقعة في وادي الأردن من الخارطة تماما. غير أن الكارثة منحت في المقابل فرصة ثمينة للباحث خروت وزملائه:"ما حدث شمل في الحقيقة جميع أنحاء المنطقة. كان هناك زلزال كبير، زلزال قوي. ما حدث غير سار لأولئك لناس، ولكنه جيد بالنسبة لنا، إذ بقي كثير من الأدوات تحت الأرض محفوظا. فقد تهاوت الجدران ولم يبذل الناس أي مجهود لإعادة البناء".
الكارثة هي التي عرّفتنا في الواقع على وجود شعب في تلك المنطقة. فقد ظهر بعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة أن هضبة ’دير علا‘ تحوي كنزا من البقايا الأثرية بقي محفوظا إلى الأبد، إثر تلك الزلزلة الخاطفة والمميتة.
’دير علا‘ هو اسم الموقع الذي عثر فيه على البقايا الأثرية، ووجدت فيه نصوص مكتوبة لكن لا يمكن لأحد قراءتها.
قوى عظمى
يقع موطن سكان ’دير علا' في منطقة صغيرة محصورة بين قوتين عظميين تعودان للعصر البرونزي المتأخر: الإمبراطورية المصرية في الجنوب والحثيين في الشمال. ولأن حدود المعرفة عن سكان المنطقة وعن ثقافتهم وتجارتهم وصناعتهم كانت محدودة، فقد تجاهلها المؤرخون وعلماء الآثار.
ولكن عالم الآثار نيلس خروت تولد لديه انطباع مختلف تماما حينما أخضع بقايا الفخار لدراسة موسعة. وكانت هذه البقايا مخزونة على مدى عقود في الطابق السفلي من كلية الآثار في جامعة ليدن. أولا، كثير من أنواع الفخار تعد فريدة من نوعها بالنسبة لدير علا. فهي إذن لم يتم استيرادها، ولكنها مصنوعة محليا.
أكثر من ذلك، لقد تطورت هناك صناعة ما يسمى بالقيشاني، وهي صناعة راقية تمزج في الغالب ما بين الفخار والزجاج. وقد منحنا هذا المنتوج دليلا هاما. "وجود هذه المادة يدل على أن منطقة وادي الأردن كانت ربما تعيش في رفاهية"، يوضح الباحث خروت ويضيف قائلا: "من خلال تقديم القيشاني كهدايا للمعابد، يُظهر الحكام كم هم أقوياء".
تطور رفيع
وصل تطور سكان دير علا درجة مكنتهم من تطوير صناعة فخارية خاصة بهم، وتعد الطبقة المصقولة على الفخار على أنهم بلغوا القمة ليس فقط لجمال صناعتهم، ولكن أيضا لكونها صناعة معقدة لا يمكن محاكاتها.
هذه الملاحظة الأخيرة توصل إليها الباحث خروت بعد أن أخضع في جامعة ديلفت التكنلوجية قطعة من الفخار المصقول للتحليل بواسطة جهاز الكشف بالأشعة السينية، وبواسطة تقنيات نووية أخرى.
"اكتشفنا وجود نوع من الكريستال يسمى أوخيت، وهو ما نراه فقط في الصخور البركانية. ولكن هنا نجده على طبقة الفخار المصقولة! وهذا يدل على استخدام طريقة خاصة لرفع درجات الحرارة بشكل شديد السرعة في البداية، ثم تتلوه طريقة تبريد متدرجة تعتمد اعتمادا كبيرا على السيطرة والتحكم في التبريد. وهو ما يعتمد أساسا على التحكم في (حرارة) الفرن".
طريقة صقل الفخار لدى سكان دير علا قبل 1200 قبل الميلاد، ضاعت مع الزلزال المدمر.
صورة كاملة
هل سيأتي يوم نتمكن فيه من الحصول على صورة كاملة لشعب دير علا؟ نحن نعلم الآن أنهم كانوا أكثر ثراء وأكثر قوة وأكثر تقدما من الناحية التقنية مما هو معروف عنهم حتى الآن. وهل سنكتشف المزيد؟ نيلس خروت يشكك في الأمر: "سيكون علينا فك طلاسم النصوص اللغوية، وهو ما يتطلب انكباب اللغويين على دراستها. وهذا ما لن يحصل، لأن مثل هذه الأبحاث لم تعد تحصل على تمويل".
(إذاعة هولندا العالمية)