أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025


رغيف «سِعده»

بقلم : احمد حسن الزعبي
20-01-2014 12:02 AM
مات الرجل ، تاركاً وراءه «عُرّ» أولاد ، وامرأة مستورة ، وبيتاً خالياً من الزاد والمؤن..الفقر والريح وحدهما يصفران في شبابيك ذلك البيت المتهالك الآيل للسقوط،في الليل عندما يأوي كل الى فراشه ويُطفأ سراج البيت على الوجوه الصغيرة النائمة ،تتورّم غيبة الأب في المكان...هذا ما كانت تشعر به الأرملة الشابة «سعده» حيث جفت مياه خابيتها، ولم تجف دموعها على «زلمتها» الذي قطع بها نصف الطريق وغادر ..
بعد إن انقضت الأسابيع الأولى للوفاة،وقلّت زيارات الجارات، واختصرت لقاءات الأخوة ، و لم يعدْ يطرق بابها قريب أو يذكرها وأطفالها جار أو محسن ، فالكل ملهي بأشغاله ،يكدّ ليطعم جياعه...ولما تفشّى النسيان،و اشتدّ العوز ، وتضوّرت جدران البيت من بكاء أطفالها المنسيين، كسرت «سعده» عدّتها وخرجت الى البيادر..بيدها كيس صغير، تسلّم على الحصّادين من بعيد ،ثم تستأذنهم أن تلتقط السنابل الساقطة والمعفّرة بالتراب ليس الاّ، ولأن «سعده» عزيزة النفس، قانعة بالقليل، تخشى على كرامتها كانت تأخذ من كل بيدر عشر سنبلات ، ثم تذهب الى البيدر الثاني ،ثم الثالث ، كي لا تميل كل الميل على محصول واحد...
عند المساء عادت الى بيتها، أنزلت الكيس عن ظهرها، حلّت زنارها عن خصرها..ثم بدأت تفرك السنابل براحتيها وتغربلها تمهيداً لمرحلة الطحن...فرحت أنها استطاعت ان تؤمّن لقيمات لأولادها هذا المساء ،رامية حملها ورزق اليوم التالي على الله الذي لا ينساها وان نسيها عباده..عجنت حفنتي القمح، ثم أوقدت حطباً لتخبز...توهّجت النار ،صافح العجين وجه الصاج ، انتفخ الرغيف ، انتشرت الحمرة على أطرافه بسرعة أصبح يشبه البدر في ليلة تمّوزية ..قلبته..حركته..وعندما نضج تماماً وضعته على طبق قريب..وبدأت تلملم الجمر المتناثر ليؤنس منظر بيتها و»يهيّب» عليها وعلى أطفالها أمام الغرباء ..في هذه اللحظات غافلها «أبو الحصيني» خطف الرغيف الوحيد وركض...انتفضت سعده ، وبدأت تركض وراءه وترجوه..»يابو الحصيني يا شيخ الوادي..تراك سرقت عشا أولادي»..»هيييي يابو الحصيني...خطفت مني رغيف حضيني»...الى ان توارى الثعلب عن أنظارها تماماً في العتمة والبراري..فتعبت أنفاسها..وقالت وهي تلهث: «خلص خذه صدقة عن روح جوزي..الله يسامحك»...
***
أخشى إذا ما يأسنا من استرجاع ما سرقته «حصينيات» الفساد أن نقول لهم في نهاية المطاف: «خلص خذوهن صدقه عن روح أمواتنا..مسامحينكو»..



التعليقات

1) تعليق بواسطة :
20-01-2014 11:02 AM

من روائع الزعبي.

2) تعليق بواسطة :
20-01-2014 12:34 PM

بعدما فشل الربيع العربي في مصر هذا الذي سوف يحدث.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012