أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025


نعي «واصل»

بقلم : احمد حسن الزعبي
23-01-2014 12:50 AM
أثناء زيارته الروتينية لقبر والده، وقراءة الفاتحة للأقارب والجيران ، وبعد أن أنهى عمليات تسكير بعض «التسليعات» هنا وهناك حول قبور أبناء العمومة..وتعليم خطوط «الراسيّات» وتواريخ الوفاة..بدأت تصطف بكثافة شديدة سيارات دفع رباعي وأخرى مرسيدس بنمر حمراء وبيضاء وصفراء..شخصيات ترتدي بدلات رسمية غامقة ، صلعات لامعة،وجوه مكتنزة، وأيادي موشومة بالنمش والبقع السوداء، بعضهم كان يرتدي نظارات شمسية سميكة كفيلة أن تجعل القبور في نظره أرض استثمارية «لُقطة».
بدأ الحضور يتكاثر والسيارات تزدحم وتصطف في الأماكن الترابية وعلى جنبي الطريق، مع مرور الوقت كانت الشخصيات التي تحضر أثقل والسيارات أحدث وأغلى ثمناً وخانات أرقامها أصغر وأقل..لحظات سُمع صوت « عبد الباسط عبد الصمد « يرتّل آيات من الذكر الحكيم من سيارة نقل الموتى..وقفت السيارة، حملوا المتوفّى ومضوا به إلى مثواه الأخير..ترك أبو يحيى مكانه وقرر أن يشارك في التشييع ابتغاء للأجر..مرّ خلفهم ثم عجّل الخطى قليلاً ليمشي بموازاتهم ..
(قال أحدهم: رحمة الله عليه والله كان أهم رجالات الدولة..
الثاني : يا رجل يوم استلم الوزارة رابع مرة أنا كنت ولد زغير.
نطّ الثالث : قسماً بالله بتذكرها مثل هلأ!! ...
رن خلوي أحدهم: ها نانسي..آه رنيت عليكِ.. عشان المرحوم...اسمعي..صفحة كاملة بــ»الرأي»... عبد الكريم فقراوي «ابو المهنّد» وأولاده ينعون بمزيد من الحزن والأسى كذا كذا، النص موجود عندك..اسمعي.. نفس نعي «عبد الحميد مصلحجي» يا الله باي...
شبك أبو يحيى يديه خلف ظهره ومضى يسمع حديثهم بفائض من الدهشة..قال رجل سمين وقصير: الله يرحمه قبل أسبوع عرضت عليه أشتري أرضه اللي بعبدون ما قبل..فرد رفيق: يا الله هاي الشباب ببيعوا..قاطعهم ثالث: عفواً مش ابن المرحوم رئيس مجلس إدارة «بنك» ،يجيب رابع: نعم.. الثالث: في معي بوكيه ورد من موظفي البنك وين أحطه؟؟.. فلا يجيبه أحد...يمضي الشاب بمعيّتهم دون ان يعيره أي منهم أدنى اهتمام.. يتصل الرجل السمين القصير بالمكتب : مرحبا..فارس..معك أبو ينال ..بدي نعي نصّ صفحة ..لأ..نصّ صفحة!!..باسمي مش باسم الشركة «الحاج زهدي تكتاتيكي» وعائلته، أقلك..وحط الشركة كمان نص صفحة ...نص بكفّي.....اسمع خلهم فوق بعض و تكون ع اليمين...
يمضون بين القبور ببطء شديد وخشوع قليل...أبو يحيى يغيّر اتجاه مسيره من اليمين الى اليسار ليسمع حديثاً آخر..رجل طويل يشبه حبيب العدلي قال: رحمة الله عليك يابو شريف..زلمك قلال...طلع لأولادي الخمسة بعثات ع حساب الدولة.. ويوم أسس جامعة الأمانة العلمية الأهلية عرض عليّ أساهم فيها بس ما كان معي...سعل أحد المشيعين المأنقين سعلة قوية وردّ على سؤال أحدهم : لا يا رجل أولاده الثلاثة خلّصوا من هارفارد بنته بس اللي من كامبردج...همس مرافقه بإذنه..فقال المتأنق: طبعاً لعاد من جيبته الله يرحمه!!!...هزّ أبو يحيى رأسه وجلس على طوبة منسية ذات دفن...
بعد أن انتهوا من النميمة ، وذكر محاسن المتوفّى الاقتصادية والسياسية..اقترب أبو يحيى من ذويه الذين يصطفّون لتلقّي التعازي: وبدأ يصافحهم واحداً واحداًً...
عظم الله أجركم..والحمد لله ...عظم الله أجركم...والحمد لله ...عظّم الله أجركم...والحمد لله... وعندما وصل لآخر شخص في الطابور ...قال عظم الله أجركم والحمد لله ..الحمد لله..إنه سؤال القبر.. ما بينحل ع «الواتساب»!!...ولا كان طلعتوه الأول ع لدفعة..
(الراي)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012