20-11-2010 10:25 PM
كل الاردن -
موفق محادين
باستثناء الثقافة اليهودية التي تحتفي بالابن الاصغر على حساب الابن الاكبر, فان الاكبر في الثقافة الشرقية عموما والعربية خصوصا يحتل مكانة مهمة في هذه الثقافة بسبب المسؤولية الكبيرة التي يتحملها بالنيابة عن غياب الاب او قلة حيلته او ظروفه الصعبة.
وها انا اتناول شخصية محددة وحقيقية لمقاربة ذلك, وهي شخصية شقيقي الاكبر (ابو وائل) التي تحملت مسؤولية اعداد خمسة اشقاء وشقيقة للحياة والمستقبل بحضور والدي ثم رحيله.. كان جدي قاطع طريق شهيرا في وادي الكرك وكانت لديه قطعانه وخيوله وبنادقه قبل ان يموت فجأة تاركا لابي واخوته شيئا من مغامراته كتاجر ايضا بين حيفا والشام واسطنبول.. ولم يفلحوا في الحفاظ على ذلك باستثناء عمي (الحاج نصار) فيما امضى احدهم معظم حياته في تركيا ولزم الاخرون بيوت القرية بعد ان سلبهم قطاع طرق كل ما يملكون اثناء عودتهم من حيفا, فرضي والدي العمل كحارس في بلدية الزرقاء التي كانت آنذاك تحت سيطرة رجلين لا ثالث لهما, هما قاسم بولاد وخالي محمود (ابو رياض) او الحوت حسب تعبير استاذنا الجليل مسلم بسيسو..
وحيث كان والدي يريدنا ان نذهب جميعا بعد التوجيهي الى كلية الضباط بدعم خالي صديق حابس وعبدالهادي المجالي وطاهر حكمت وناصر بن جميل, بل ان العديد من الضباط الكركية تطوعوا في الجيش بكتاب من ابو رياض.. كان لاخي الاكبر ووالدتي (آمنة) رأيهم المختلف فرغم ظروف العائلة المادية الصعبة اخذ (ابو وائل) على عاتقه تدريسنا جميعا: انا في كلية الاقتصاد في الجامعة الاردنية, وجمال وجميل في كليات الهندسة في بلغاريا وسوريا وهشام في كلية طب الاسنان فيما ارسل شقيقتنا جملا الى كلية المعلمات وكانت شقيقتي الكبرى قد تزوجت مبكرا من ابن عمي... ومن حسن حظ (ابو وائل) ان اولاده حصلوا على معدلات عالية مكنتهم من الحصول على بعثات جامعية في كليات الهندسة والصيدلة.
وبالاضافة للثقافة الشرقية والعربية التي تفسر هذا الايثار من الاخ الاكبر فقد ادركت لاحقا سببين آخرين, الاول, شخصية والدتي وايمانها الحقيقي العميق ووعيها الفطري للاسلام المنفتح المتحضر, بعكس جماعات التكفير المغلقة الانعزالية.. والثاني, الانتماء الحزبي المبكر عند (ابو وائل) وثقافته الموسوعية في الفكر والادب ومكتبته المتنوعة التي كانت تضم قبل اربعين عاما الاف الكتب والروايات والمجلات..
ولم يفرض علينا (ابو وائل) انتماءاته ابدا فقد كان مقربا من الدكتور منيف الرزاز واليسار في حزب البعث آنذاك وتركنا نتشكل في بستانه, بدون تدخل, فكنا جميعا اقرب الى الخيارات العروبية والاشتراكية بتياراتها المختلفة... وبوسعي القول ايضا ان مثلي عشرات الالاف من الاردنيين سواء من خريجي الجامعات الاردنية او الجامعات المصرية ايام عبدالناصر او الجامعات السورية والعراقية المدعومة من حزب البعث العربي الاشتراكي او جامعات البلدان الاشتراكية السابقة قبل انهيارها على يد الاجهزة الامريكية واليهودية العالمية..0
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net