أضف إلى المفضلة
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025
الأربعاء , 22 كانون الثاني/يناير 2025


كارثة "وحيد القرن"!

بقلم : د.محمد ابو رمان
28-02-2014 12:27 AM
ربما يكون أحد أجمل المقالات التي قرأتها خلال الأعوام الماضية، المقال المترجم من صحيفة 'نيويورك تايمز' (والمنشور أمس في 'الغد') لمراسل صحيفة 'لوفيغارو' الفرنسية في الشرق الأوسط، دلفين مينوي، بعنوان 'مجاز وحيد القرن في مصر'!
المقال يُسقط فكرة مسرحية وحيد القرن (من المسرح العبثي) ليوجين يونسكو، على الحالة المصرية، لتفسير حالة الجنون والهستيريا الجماعية التي أصابت المجتمع المصري والنخبة الإعلامية والمثقفة والليبرالية واليساريين هناك، فأصبحوا يتصرّفون بمنطق غرائزي لا عقلاني، وكأنّها حالة من العدوى أصابت الجميع، ولم يتبقّ إلاّ قلّة قليلة من المثقفين (من خارج الإخوان المسلمين) حافظت على عقلها ووعيها الأخلاقي والإنسانيّ، ولم تُصب بداء 'وحيد القرن'، كما هي الحال في تلك المسرحية!
ربما أكثر ما يختزل فكرة المقال الرائع ويلخّصها، الصورة المنشورة معه (في 'الغد')، وتُظهر فتاة صغيرة في مظاهرة مؤيدة للجنرال عبدالفتاح السيسي، تضع الحذاء العسكري على رأسها. وهو مشهد بشع مخجل؛ فمثل هذه الثقافة التي تحوي في ثناياها المنطق الفاشي العبودي، وتغيب عنها فكرة المواطنة والعلاقة الصحيحة بين المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية والشعب، هي نتاج الحملات الإعلامية الهستيرية في تأييد السيسي وتبرير المجازر والمذابح التي ارتكبها الجيش بحق المدنيين والمعارضين!
تجليّات 'وحيد القرن' تتبدّى بوضوح في الحلقة المتميزة التي قدّمها يوم الجمعة الماضي، الإعلامي المصري باسم يوسف؛ عن الهلوسات والخزعبلات التي اجتاحت الإعلام المصري في التمهيد والتطبيل والتزمير لترشيح السيسي، وما فيها من كوميديا سوداء. ولعلّ يوسف مع عمرو حمزاوي الذي كتب أمس مقالاً فيه أربعة أسئلة لمن صمتوا طويلاً من النخبة المصرية، ومعهما بلال فضل الذي توقف عن الكتابة في صحيفة الشروق، هم من القلّة القليلة من المثقفين المصريين الذين رفضوا الانضمام إلى الجوقة الهستيرية، ويعبّرون عن نموذج آخر في المسرحية يذكره كاتب المقال، وهو 'بيرنغر' الذي 'يقاوم التدافع الجمعي'، ويصيح قبل إسدال الستارة: 'أنا آخر إنسان تبقى وسأبقى كذلك..'!
إذا وسّعنا بِيكار الرؤية، ونظرنا إلى خارج المسرح المصري؛ نحو ما يحدث في سورية والعراق ولبنان وباقي الدول العربية، وما فيها من عودة إلى 'المنطق الهويّاتي' (الطائفي والعرقي والتعصّبي)، وما ينجم عن ذلك من سلوك غرائزي، فإنّ ما يحدث اليوم مؤذن بخراب كبير في المنطقة العربية، وبفقدان للعقلانية، وتفتيت لقيم المواطنة والقانون والمؤسسات، وغياب التفكير النقدي نحو المستقبل!
وبالرغم من أنّ المشهد السوري، اليوم، هو الأكثر بشاعة وإيلاماً؛ لما فيه من كوارث ومآسٍ أصبحت تتجاوز أخطر المجازر والكوارث التاريخية الإنسانية، تُرتكب على يد هذا النظام المجرم، وما ولّده من ردود فعل عدمية وزراعة للأصولية والتطرف في أنحاء سورية (حرب الكل ضد الكل)، إلاّ أنّ خطورة ما يحدث في مصر أكبر على المجتمعات العربية ومصيرها ومستقبلها!
ففي مصر التي شهدت ثورة سلمية شعبية ناجحة، وسقط الرئيس من دون سفك كبير للدماء، نشهد اليوم موجة هستيرية ضد الحركات الإسلامية، وتنظيرا للدكتاتورية والإقصاء، وتعبئة مجتمعية وإعلامية على هذه الأساس؛ ما يغلق الأبواب أمام الحلول السلمية التوافقية، ويزرع القناعة لدى شريحة واسعة من الشباب الإسلامي بأنّ البديل هو الطريق المسلّحة، وإقامة الدولة الإسلامية، لا الديمقراطية التي قبلت بها الحركات الإسلامية خلال السنوات الماضية. وربما ذلك ما يفسّر انتقال العنف ضد مؤسسات الدولة من سيناء إلى قلب القاهرة، مرّة أخرى!
ما يحدث في أنحاء الشرق هو زراعة للفوضى والتطرف والعنف، وتدشين لأيديولوجيات كارثية، مثل 'وحيد القرن' و'القتل على الهوية' و'الطائفة الناجية' في مواجهة الآخرين!
(الغد)

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012