16-12-2010 01:27 AM
كل الاردن -
* عريب الرنتاوي
هي مناسبة لحديث في العمق عن حماس في ذكرى انطلاقتها الثالثة والعشرين ، فالظرف لا يسمح بإحياء الذكرى بالشعارات والمهرجانات والقبضات المضمومة ، فقد تميز تاريخ الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية بالكثير من هذه المظاهر ، والقليل من تلك المراجعات المطلوبة.
حماس اليوم ، بعد 23 عاما على انطلاقتها ، وخمس سنوات على فوزها الساحق في الانتخابات ، وأربع سنوات على تفرّدها بحكم قطاع غزة ، حماس هذه تكاد تختنق بتداعيات نصرها الانتخابي ، بل وتكاد تدفع أغلى الأثمان لنتائج انتخابات ، لا يتمنى حزب سياسي الحصول على أكثر منها ، فالحركة بمجملها ، تبدو 'أسيرة' في قطاع محاصر ، يختنق بالعقوبات الدولية ، ويواجه يومياً ، كوابيس الترك والنسيان والتجاهل.
والحقيقة أن الحركة التي تزامن صعودها مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى ، انتفاضة الحرية والاستقلال ، نجحت في استئناف العمل الفلسطيني المقاوم بعد أن تخلى الآخرون عنه أو كادوا ، وشقت طريقاً حمل بصماتها الخاصة على هذا الصعيد ، وباتت في غضون سنوات قلائل ، لاعبا يحسب له ألف حساب ، لا على المستوى الوطني الفلسطيني فحسب ، بل وعلى المستوى الإقليمي كذلك.
وما أن استوت الحركة على 'عرش المقاومة' حتى بدأت التطلع للاستواء على 'عرش السلطة' ، في محاولة منها ، للجمع بين العرشين ، تلك المحاولة التي جرّبها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، ودفع حياته ثمناً لإخفاقها أو فشله في إنجازها ، لا فرق.
حماس اليوم في وضع صعب ، لقد مرّت بها أوقات أفضل من هذه بكثير.. فهي من جهة أولى ، تجد صعوبة في التكيّف مع مقتضيات السلطة ومندرجات عرشها ، حتى في شريط ضيق ومكتظ بساكنيه.. وهي من جهة ثانية ، تجد صعوبة أكبر في استنئاف نشاطها المقاوم ، بعد أن أصبحت 'فاتورة استئناف المقاومة' مكلفة جداً على حماس وقيادتها وبُناها ومؤسساتها ، مثلما هي مكلفة للشعب المجوّع والمحاصر في القطاع المنكوب.
حماس اليوم ، باتت بنك أهداف مكشوفا لسلاح الجو والطائرات من غير طيّارين والصواريخ الذكية في الأيدي الإسرائيلية العنصرية ، وهو بنك أهداف ذو احتياطات وفيرة ، ليس بحاجة لـ'ويكيليكس' جديد لكي يفضح إحداثيات مفرداته ومكوناته ، وهي - الحركة - مجبرة لهذا السبب بالذات ، ولأسباب أخرى تتصل بمدى جاهزية القطاع وقدرة أهله على العوم في بحر آخر 'الرصاص المصبوب' ، على أن تكون حارسة 'الهدنة المفتوحة' مع الاحتلال ، حتى وإن تطلب الأمر ، استخدام القوة للحفاظ على صمت المدافع والصواريخ. حتى وإن أفضى الأمر إلى 'استعارة' مفردات من قاموس السلطة وفتح القديم ، الذي كان يُستخدم ضد حماس ، ويوصّف سعيها الدؤوب للتفلت والإفلات من قيود السلطة و'هدناتها' واشتراطات أوسلو الأمنية والسياسية.
لذلك فإن الحديث عن 'خيار المقاومة' يبدو تبشيريا - وعظياً تعبوياً - في واقع الحال ، خصوصا بعد آلت الضفة الغربية إلى ما آلت إليه من هدوء وسكينة ، املتها 'تصفية حسابات الانقسام' و'نظرية الإنسان الفلسطيني الجديد' ومتطلبات 'التنسيق الأمني' ، الأمر الذي يشي بأن هذا 'الخيار' ، سيظل 'خياراً مع وقف التنفيذ' حتى إشعار آخر على أقل تقدير.
وحماس في سعيها للاطلاع بدور سياسي ، ينسجم مع 'نصر يناير '2006 ، ويتساوق مع مقتضيات الوضع القيادي الجديد للحركة في أوساط الشعب الفلسطيني ، ويلاقي ميل الحركة للإفلات من قبضة العزلة وأطواق العقوبات والحصارات و'ظلم ذوي القربى' ، تسعى في تقديم خطاب سياسي 'عقلاني' و'واقعي' ، بيد أنها في سعيها هذا لن تقدر على مجارة فتح والسلطة والمنظمة ، وهي في الأصل ، لا تريد مجاراة هذه الأطر وهي التي نشأت في مواجهتها وبالضد من أطروحاتها ، في ظني أن ليس مطلوباً منها أن تفعل ذلك ، وإلا لتحولت إلى 'فتح محجّبة' أو 'فتح بذقن ودشاش' كما يقول أنصار فتح ، لكنها مع ذلك ، لا تكف عن توجيه الرسائل ، وإظهار الرغبات في ألا ينظر العالم إليها كجزء من المشكلة ، بل كجزء من الحل.
من حق حماس أن تجري ما تشاء من حسابات ، سياسية وأمنية وعسكرية ، ومنها أن تقدم خياراً وأن ترجئ أو تجمّد آخر ، فالمقاومة ليس طريقاً مستقيما ذا اتجاه واحد ، بل هي طريق متعرج ، ودائما هناك اتجاهات أخرى ، ومن حق السائرين على هذا الطريق أن يحددوا السرعات وأماكن التوقف والانعطاف والتراجع ، وهذا ما تفعله حماس على أية حال.
لكن من سوء طالع الحركة ، وهي تكاد تكمل ربع القرن الأول من عمرها ، أنها تواجه ظروفا عنيدة للغاية ، وعلى كل الجبهات ، وفي ظل حالة من الانهيار والتراجع ، فلسطينياً وعربياً ، لم تفضح وثائق ويكيليكس سوى 'الجزء الطافي من جبل جليدها' ، أما الجزء الأكبر ، فما زال غاطساً تحت الماء ، ولولا أن من يحكم في إسرائيل هذه الأيام ، من مستوطنين ويمينيين متطرفين ، قد نجحوا في جعل حياة فتح والسلطة والمنظمة ، جحيما لا يطاق ، لكان وضع حماس اليوم ، أشد صعوبة مما هو عليه الآن.
كان الله في عون شعب فلسطين.