18-12-2010 01:24 AM
كل الاردن -
ياسر الزعاترة
لم يكن متوقعا أن توافق لجنة متابعة المبادرة العربية على العودة إلى المفاوضات المباشرة بعد فشل الإدارة الأمريكية في دفع نتنياهو نحو تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر (فقط ثلاثة أشهر) ، فمثل هذا الموقف سيتسبب في إحراج كبير للقيادة الفلسطينية ومرجعيتها المصرية وللعرب عموما.
من هنا وللخروج من مأزق الرفض الحازم الذي يستعيد شرط وقف الاستيطان ولا تستطيعه القاهرة ، كما لا تستطيعه السلطة التي تعيش على المفاوضات وعوائدها الاقتصادية (المعونات) والسياسية (التأكيد على أن وضع السلطة تحت الاحتلال الراهن ليس نهاية المطاف) ، للخروج من المأزق المذكور تفتق ذهن الطرفين المصري والفلسطيني عن صيغة أخرى عنوانها أن تقدم أمريكا 'عرضا جادا' لاستئناف المفاوضات.
و'العرض الجاد' المذكور هو تعبير فضفاض بالطبع ، إذ مَن هو المؤهل للحكم على ما إذا كان العرض المقدم جادا أم لا؟ إنها الدبلوماسية المصرية بالطبع ، وإلى جانبها سلطة 'الحياة مفاوضات' وقادتها الذين سيصبحون في العراء إذا ما أعلنوا فشل المفاوضات (خيارهم الوحيد) ، هم الذين دأبوا على القول: إن ما لا يحل بالمفاوضات سيحل بالمزيد منها.
واللافت هنا أن مصطلح 'العرض الجاد' يبدو منسجما إلى حد كبير مع الرؤية الأمريكية الرامية إلى إنجاز 'اتفاق إطار' يكون مقدمة لعملية سياسية خاصة بمرحلة أوباما ، وهو ما أعلن عنه ميتشيل في رام الله وفي القاهرة ، لولا أنه كان من الصعوبة اعتبار ذلك أمرا عظيما بعد الفشل مع نتنياهو في ملف الاستيطان.
الآن سيبدأ ميتشيل في العمل على إنجاز 'اتفاق الإطار' الذي سيصاغ بشكل ذكي على طريقة أوسلو ، بحيث يمكن اعتباره جادا وكافيا لعودة المفاوضات المباشرة ، في ذات الوقت الذي يكون فيه فضفاضا ولا يفرض شيئا على الدولة العبرية غير ما يتم التوافق عليه ، بقدر ما يكرس المشروع الوحيد الذي يتحرك على الأرض ممثلا في مشروع السلام الاقتصادي أو الدولة المؤقتة التي بات القوم أكثر قابلية للموافقة عليها بعد رفض طويل بالكلام فقط.
والحق أن القوم لم يتوقفوا لحظة واحدة عن مطاردة المشروع المذكور ، من دون أن يقولوا أنهم يفعلون ذلك ، وإلا فما معنى التنسيق الأمني المحموم الذي يركز على استعادة الصلاحيات الأمنية في المدن الفلسطينية (مناطق أ) وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية أيلول عام 2000 ، ومن ثم تطوير الوضع نحو تحويل مناطق ب إلى أ ، مع أمل بأن يصل الوضع في غضون عامين أو أكثر إلى السيطرة الأمنية على سائر تجمعات السكان الفلسطينيين باستثناء القدس ، وبتعبير أدق ، وضع الأساس لدولة الجدار الأمني التي ستسمى مؤقتة ، بينما يعلم الجميع أنها ستغدو دائمة وذات نزاع حدودي مع جارتها.
في الأثناء ، ومن أجل دفع السلطة ومرجعيتها العربية (مصر) إلى النزول عن الشجرة والموافقة على العودة إلى المفاوضات المباشرة ، سيعلن عن اتفاق الإطار المذكور ، فيما سيجري منح السلطة بعض الحوافز التشجيعية مثل نقل الصلاحيات الأمنية في بعض المدن لأجهزة السلطة ، الإفراج عن بعض السجناء ، تفكيك حواجز جديدة ، وقد ينطوي الأمر على تحسين طريقة التعامل مع حملة بطاقات الفي آي بي بعد مرحلة من 'البهدلة' التي مروا بها خلال الشهور الأخيرة،،
هكذا نفهم على نحو واضح حكاية 'العرض الجاد' الذي سيخرج به العرب بقيادة مصر من مأزق الرفض إلى ساحة التفاوض من جديد ، فيما يدرك الجميع أن من العبث لمن يعجز عن تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر في الأراضي المحتلة عام 67 ، من العبث أن يواصل الحديث عن الدولة المستقلة كاملة السيادة على تلك الأرض.
تلك مهزلة لم تعد تمر على شعبنا ، لكن قدرته هذه الأيام على الرد عليها تبدو متواضعة في ظل وضع داخلي وعربي ودولي سيء ، لكن ذلك لا يعني تمرير اللعبة بينما يواصل نتنياهو العبث بالقدس ومقدساتها والاستخفاف بالفلسطينيين والعرب أجمعين ، بل بالولايات أيضا ، فقد عودنا هذا الشعب العظيم على اجتراح المعجزات ، وستبقى جعبته حافلة بالمفاجآت حتى يتحقق الانتصار الأكبر.