19-12-2010 06:47 AM
كل الاردن -
نعيد اليوم نشر آخر مقال للزميل ياسر ابو هلاله الذي كتب مقالا عقب عودة سماحة الشيخ المغفور له باذن الله الدكتور نوح القضاة من رحلة العلاج الى المانيا وذلك نهاية الشهر الماضي.
تقديرا واحتراما لمكانة الشيخ نوح علي سلمان القضاة نعيد نشر المقال تذكيرا بمكانته التي حفرها في وجدان الشعب الاردني بورعه وتقواه:
وفيما يلي نص المقال
الشيخ نوح القضاة
ياسر أبو هلالة
اتصلت به آخر مرة مهنئا بمغادرة موقع الافتاء
الذي أثقل كاهله، فأجاب برصانته المشهودة 'ذلك تقدير العزيز العليم'، وسألته عما سيفعل فقال إنه سيعمل على إكمال كتاب شرح المنهاج في الفقه الشافعي بعد أن أشغله الموقع عنه. مع أنه أعد معاملة التقاعد للمرة الرابعة إلا أن أمثاله لا يتقاعدون، على العكس قد يثقله العمل الرسمي بإداريات وشكليات. ومع أن كثيرا من الناس تصنعهم المواقع، ويمحى أثرهم وذكرهم بعد أن يغادروا إلا أن الشيخ نوح سلمان القضاء ظل من الذين يرفعون المواقع ولا يرتفعون بها ويبقى أثره بعد رحيله عن الموقع.
يصارع الشيخ المرض اللعين، وهو من ' تقدير العزيز العليم' ولا نملك إلا أن نسأل الله أن يلطف ويرحم ويعافي، وهو على كل شيء قدير. فتلك القامة ما انحنت لغيره، واليد العفيفة ما سألت سواه، وما تلوثت بمال حرام ولا بذل السؤال، واللسان ما نطق بغير الصدق والحق. لستَ العليل بل الطبيب يا شيخ. فالأجساد تمرض وتبلى، لكن القيم والأخلاق هي ما يتبقى.
يا شيخ لست العليل بل الطبيب، العليل هو المجتمع الذي ضمرت فيه قيم الدين التي جسدتها، وعلت قيم المادة التي ترفعت عنها. نحتاجك أكثر من أي وقت مضى لأن أزمتنا أخلاقية قبل كل شيء. والتدهور السياسي والاقتصادي هو ثمرة انهيار أخلاقي. وما نحتاجه في الأردن هو قوة النموذج العملي الذي قدمه الشيخ في مواقعه، في الإفتاء قدم نموذجا في النزاهة والاستقامة؛ فعلى مدى عامين أعاد أموالا للموازنة وكان يعمل على مدار الساعة. قبل أن يشغل موقع المفتي أسس في أبو ظبي دائرة الإفتاء، وطلب منه أيضا تأسيس كلية للشريعة، وقد سبقته سيرته في إفتاء القوات المسلحة وغيره من المواقع.
كتبت عنه عندما تولى موقع الافتاء في 1 3- - 2007، فالرأي العام لا يثق بمن يجير فتواه للسلطان، المؤكد أن الشيخ نوح وهو من عمل في أكثر المرافق الرسمية حساسية؛ القواتِ المسلحة، ليس من النوع الذي يقبل بدور الملحق بالسياسي أيا كانت مواقفه. تكسب الدولة ويكسب المجتمع بوجود عالم دين له استقلاليته، وبذلك تتعزز الوسطية والاعتدال، وعندما كتبت مدافعا عنه، في ظل الحملات التي تعرض لها ، كان المقال الأكثر تقييما في تاريخ جريدة الغد إذ بلغ عدد التقييمات، وكأنها استفتاء إلكتروني 1664.
يقدم الطبيب الشيخ نوح ، وهو على فراش المرض، وصفة لمن يريد علاج مجتمعنا العليل. فالمسؤول الذي تثق الناس به ليس 'سي في'مملوءة بالأكاذيب، ولا حملات علاقات عامة، ولا خدمات رديئة للمحاسيب، ولا أعطيات من المال العام. الوصفة باختصار 'الاستقامة'. ونحسبه ممن قال الله فيهم 'الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا'. والاستقامة هي التي تزن الرجال في الدنيا والآخرة، وحفاوة الناس بالشيخ دليل بأن القيمة لا يصنعها التفاخر بالمال الحرام بيوتا وسيارات وملابس ومتاعا زائلا.
عافك الله، وأبقاك طبيبا تداوي المجتمع العليل.