26-12-2010 11:50 PM
كل الاردن -
طاهر العدوان
يوم الخميس, قبل التصويت على الثقة بساعات, استمعت الى رهانات بين عدد من الناس حول الرقم الذي ستحصل عليه حكومة الرفاعي الثانية, وكان هناك شبه إجماع, استنادا الى ما استمعوا من خطابات للنواب, بان تكون الثقة بين 80 و 90 صوتا. احدهم راهن بان الثقة ستكون بـ 121 صوتا اي بزيادة صوت عن عدد مجلس النواب وعلل ذلك بأننا سنسمع نوابا يمنحون (ثقة ونصف)! مثل هذا القول بدا مستبعدا, لكن ما ان انتهت حفلة التصويت حتى ادركت بان من بالغ في الرقم متجاوزا به عدد النواب, كان متواضعا في توقعاته لان احد النواب منح (مليون ثقة) وبالتالي فانها (ثقة الملايين) وليس الـ 111 صوتا.
'نعيش ونرى' وهي سواليف تحملها اجيال الى اجيال جديدة عند بلوغها سن الرشد والدنيا حكايات, لكن ما يحضرني في المناسبة ما سمعته عن جلسة ثقة بحكومة رئيس وزراء سابق في مطلع الستينيات, اذ تغير المزاج فجأة اثناء جلسة الثقة واذا بالنواب يعلنون (الحجب)عن الحكومة واحدا بعد آخر, وحدث ان كان احد النواب قد غيّر رأيه من (منح) الى (حجب) قبل ان يصعد الى المنبر لالقاء كلمته, فسأل زميله ماذا افعل وكلمتي كلها اشادة برئيس الوزراء? فقال له: لا توجد مشكلة فقط اشطب جملة (وعلى هذا امنحه الثقة) وضع مكانها (وعلى هذا احجب الثقة). ويضيف راوي القصة ان رئيس الوزراء آنذاك لم يغضب من شيء, بعد ان حُجبت الثقة عن حكومته, اكثر من غضبه على ذلك النائب الذي كال المديح له بالاطنان, ثم انهى كلمته بالحجب!.
بالفعل رفعت كلمات النواب (النارية) المشبعة بالنقد لحكومة الرفاعي, من التوقعات بان يتجاوز عدد الحاجبين الـ 30 نائبا على الاقل, لكن ما جرى ثقة غير مسبوقة لكنها في الوقت نفسه محيّرة تماما, وهو ما يدفعني مثلما يدفع كثيرا من الاردنيين الى محاولة فهم ما جرى, واعتقد ان على الدولة والحكومة ايضا ان تحاول فهم الذي حدث, وان لا تنام على ريش من نعام على ثقة كانت مقدماتها تختلف تماما عن مخرجاتها وبعضها مُنح من باب 'الموت مع الجماعة رحمة'!!.
لا اعرف على اي اساس يمكن (وزن قيمة هذه الثقة) التي منحت من عشرات النواب الذين كانوا قد وجهوا نقدا غير مسبوق لسياسات الحكومة, وتشكيلتها وبرامجها, فلو ان الذين منحوا قد امهلوا الحكومة شهرا او عدة اشهر لتصحيح سياساتها ليعودوا بعدها الى طرح الثقة من جديد, لكان الامر مفهوما! لكنهم منحوها بالمطلق, فكانت المعادلة ان نالت الحكومة ثقة شبه كاملة من اغلبية نيابية اشبعتها نقدا ومعارضة! وهو ما يقلب مفاهيم المعارضة في البرلمانات والفكر السياسي والعمل الحزبي الديمقراطي.
ما يثير الدهشة ما سمعناه عن خلايا النحل الحكومية, في أروقة مجلس الامة التي التقت النواب لاقناعهم بمنح الثقة, وما تسرب عن عقد صفقات مقابل (المنح) بعضها ظهر بين سطور كلمات الرئيس, مثل 'تأجيل قانون المالكين ...' و(الواجهات العشائرية) والتعهدات التي قدمها الرئيس (كوعود) قبل التصويت. تعهدات كان مكانها مناقشة الموازنة! وهو ما يتعارض مع اهم ما جاء في خطاب العرش وما قدمته الحكومة من تعهدات عند التشكيل بان لا تكون هناك صفقات ومقايضات وترضيات وخدمات للنواب, حفاظا على الفصل بين السلطات واستقلالية المجلس.
سأحاول باختصار فهم ما جرى من تناقض بين كلمات اغلبية النواب وتصويتهم بـ (1) خضوع عدد من النواب خاصة الجدد, للفكرة التي تروجها السلطة في مثل هذه المناسبات بان (الحكومة حكومة سيدنا) لاكتساب الثقة وضمان تأييد السلطة لهم في الانتخابات (بعد 4 سنوات).
(2) قناعة عدد من النواب بان المجلس ضعيف وان كل شيء في يد الحكومة ولذلك يجب كسب ودها والاستسلام لوعودها, وهو ما يعكس شعور النائب (بالوحدة) في ظل غياب البرامج والكتل الحقيقية التي تضمن استقلالية قراره ومواقفه.
(3) خشية النائب من غضب قاعدته الشعبية التي تريد منه (خدمات) يعرف ان لها طريقا واحدا, هو طرق باب الحكومة وان لا فرصة غيرها لتحقيق أية خدمات لدائرته الانتخابية.
اخيرا فان ذكر هذه الاسباب او تجاهلها يأتي في محاولة لفهم ما جرى ويساعد على توضيح الصورة, لكنه بالتأكيد لن يغير الانطباع الاول عن المجلس عند الرأي العام, وهو بالتأكيد كما سمعت من عشرات الناس سلبي للغاية.
taher.odwan@alarabalyawm.net