ابدأ بالقول, اذا كانت (حكومة الوحدة الوطنية) في العراق عاجزة عن حماية ارواح رعاياها المسيحيين في بغداد والموصل, فكيف ستحمي زعماء 22 دولة في اذار المقبل بعد ان تقرر عقد القمة العربية في العاصمة العراقية?! كيف يتقبل الرأي العام العراقي والعربي تعهدات الحكومة هناك بتوفير الامن من دون طرح السؤال المقابل: لماذا لا يَوفّر الأمن للمسيحيين العراقيين?
لا اقصد هنا ان اهاجم حكومة بغداد, ولكنني اتخذ من حال الفتنة ضد المسيحيين في ظلها لأعمم الحالة على اكثر من دولة ونظام في العالم العربي التي ينطبق عليها المثل »اسمع كلامك اصدق.. اشوف اعمالك استغرب«. وما يدفعني الى هذا كله تلك الجريمة التي وقعت مطلع العام الجديد امام كنيسة في مدينة الاسكندرية بمصر.
لقد تعودنا على سماع ردود الفعل الرسمية بعد كل عملية, تندد بالارهاب, وما ان تمرّ بضعة ايام تجف فيها دماء الضحايا حتى تنصرف الحكومات الى اعمالها اليومية من دون ان نرى او نسمع تحركاً جدياً شاملاً لمواجهة داء الفتنة المستفحل على ارض العرب. كل ما نسمعه ونقرأه اشادات لا تنقطع بالاجهزة الامنية وبمؤتمرات وزراء الداخلية, وتغنٍ بالامن والاستقرار, فيما يتواصل الارهاب ويزداد عدد الضحايا, والاخطر من ذلك تتعمق الفتنة وتتجذر في النفوس, وكأننا كأمة على موعد مع قيامة لا نصنع فيها غير الموت!
بعد ان سئمنا من ردود الفعل العربية الرسمية على الفتن المستفحلة, لا بد من توزيع مسؤولية دماء الضحايا الابرياء على شركاء آخرين في صنع الجريمة, خارج اطار الاتهامات الجاهزة ضد القاعدة او ضد الموساد واجهزة الاستخبارات الاجنبية تحت مقولة وجود اعداء يترصدون بالامة.
ماذا عن موقف الحكومات العربية من هذه القائمة الطويلة من عشرات الفضائيات التي قسَّمت الامة الى مسلمين ومسيحيين اهل السنة وروافض, جماعة يزيد وجماعة الحسين, عرب وفرس.. الخ?
من اين تبث هذه الفضائيات يا وزراء الاعلام العرب? اليست من ارض مصر والاردن ودبي?! الم تصبح التجارة بالفتن الدينية جزءاً من بضاعة الخصخصة التي لا تراعي إلاّ ولا ذمة, انما هدفها دنانير الذهب والفضة? ما معنى ان نرى رأسماليين عربا يقيمون فضائيات (الهشك بشك) تروج للدعارة وسوء الاخلاق الى جانب قيامهم, هم انفسهم, باقامة فضائيات باسم اهل السنة تارة وباسم جماعة علي والحسين تارة اخرى. وعن ما تبث من سموم حدّث ولا حرج, فهذا يكفر الاحياء وذاك يذهب الى نبش القبور وتكفير اصحابها الذين اصبحت عظامهم منذ اكثر من الف سنة جزءا من هذا الثرى (كما انشد عمر الخيام).
لم تفعل الحكومات العربية ما يلزم لدرء الفتن, ولم تظهر من الجدّية ما يعطيها شهادة بانها تحملت مسؤولياتها التاريخية لانقاذ الشعوب من هذا الدمار الاسود. اما وزراء الاعلام العرب الذين يملكون من الخبرة ما يكفي لوأد الرأي الآخر عند شعوبهم, ما الذي يمنعهم لاستخدام هذه الخبرة في وأد اعلام يشجع الفتنة ويغذيها وذلك بسحب تراخيص البث للفضائيات صانعة الفتنة باسم الدين?
وكان على السلطات في مصر ان لا تُفرّق بالقوة مظاهرة الاقباط المصريين الغاضبين بعد تفجير الكنيسة, انما كان من واجبها ان تحشد ملايين المصريين (مسلمين واقباط) في مظاهرات صاخبة تندد بالفتنة وبمرتكبيها?
اين هي الفعاليات الشعبية التي تشجعها, او تسمح بها الحكومات للخروج في مسيرات بالشوارع العربية لبناء اجماع ضد الارهاب القائم على التكفير. فيما اصحابه يعقدون سلاماً دائماً مع اسرائيل وقواتها المقيمة في احتلال مريح للقدس والارض العربية!0