02-01-2011 07:36 AM
كل الاردن -
بسام حدادين
لا اذيع سراً إذا قلت إن 'التجمع الديمقراطي النيابي' كان ذاهباً باتجاه حجب الثقة عن حكومة الرئيس سمير الرفاعي. وانقلب الموقف إلى أغلبية مانحة للثقة (6 من 8) بعد اللقاء الثاني مع رئيس الوزراء قبل ساعات من التصويت على الثقة، وبحضور الوزراء: أيمن الصفدي وناصر جودة وموسى المعايطة وأحمد طبيشات.
ما الذي جرى في هذا اللقاء بين الفريق الحكومي ونواب 'التجمع' الثمانية؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال من الضروري التنويه الى ان لقاءات وحوارات مطولة، سبقت هذا اللقاء مع الرئيس وفريقه. كان أولها لقاء مع الرئيس واثنين من نوابه (الكركي وسرور) واثنين من الوزراء (المعايطة وطبيشات). جاء هذا اللقاء في سياق لقاءات الرئيس مع الكتل النيابية قبل ان يعرض الرئيس امام مجلس النواب خطة عمل الحكومة. كان هذا اللقاء مناسبة للتعرف عن قرب على الرئيس وفريقه والعكس كذلك. وكان اللقاء بمثابة جس نبض متبادل، بعد ان كشف الحوار عن اهتمامات واولويات كل طرف وطريقة تفكيره.
لم يرسل 'التجمع' في هذا اللقاء أو اللقاءات الفردية العابرة، أي إشارات يفهم منها ان 'التجمع' سيمنح الثقة، بل على العكس، كانت تصدر اشارت باتجاه الحجب، ما دفع أيمن الصفدي نائب الرئيس ومنظر الحكومة لدعوة اعضاء 'التجمع' الى جلسة حوار مفتوح في منزله، استمرت لاكثر من اربع ساعات. كان الصفدي خلالها يجهد نفسه ويجمل كل الحجج ليقنع الحضور بالفكرة التالية: هذه الحكومة - حكومة الرفاعي - جادة في الإصلاح السياسي وملتزمة تماماً بما جاء في خطبة العرش. وانتم اصلاحيون يجب ان تدعموا هذا التوجه وتساندوه. وكان نواب 'التجمع' يفحصون النوايا بأسئلة تطال كل محاور الاصلاح السياسي. اما في المجال الاقتصادي والاجتماعي فقد توافق المتحاورون على أن هناك تباينات.
اعترف بأن هذا اللقاء خلخل موقفي من الحجب. وبدأت أطرح على نفسي الاسئلة التالية: هل نحن الثمانية (نواب التجمع) نملك اكثر من القوة المعنوية التي نملكها بصفتنا سياسيين ممارسين من خلفيات يسارية؟ هل بإمكاننا ان نغير ميزان القوى داخل المجلس؟ لكن السؤال الاهم الذي كان يؤرقني ونواب 'التجمع'؛ ما هو انعكاس موقف اعطاء الثقة للحكومة، على صورة 'التجمع' لدى الرأي العام والجمهور الذي منّى النفس بوجود 'رأي آخر' في مجلس النواب، حتى لا أقول إنه عول على وجود معارضة تملأ فراغ غياب المعارضة الاسلامية. وبحوار مع بقية نواب 'التجمع' وجدت ان الجميع مسكون بهذه الاسئلة. وعلى هامش حواراتنا الداخلية كان الرفيق موسى المعايطة، يلح علينا للقاء ثان مع الرئيس لأخذ تعهدات واضحة منه، حول توجهات الحكومة الاصلاحية وكان يستشعر الحرج، اذا ما حجب 'التجمع' الثقة عن حكومة يشارك فيها. فكان اللقاء الثاني مع الرئيس الذي أشرت له في بداية المقال.
كان الرئيس الرفاعي يتحدث في هذا اللقاء، بلغة حاسمة قاطعة، من أن الحكومة ستلتزم، بكل ما جاء في خطبة العرش من توجيهات اصلاحية، وأن الحكومة مهتمة جداً بان يكون 'التجمع' منحازاً لهذه التوجهات الإصلاحية التي تلتزم بها الحكومة، من خلال منح الثقة لها. وهذا من شأنه إرسال رسالة إلى المجتمع، من ان الكتلة الاصلاحية في مجلس النواب تدعم توجهات الحكومة الاصلاحية. وخاطب الرئيس اعضاء 'التجمع' قائلاً: نريد ان نقيم معكم شراكة حقيقية، عبر حوار مفتوح لتبادل الرأي والأفكار في كل محاور الإصلاح المنشود.
اعترف بأنني وجدت نفسي لاول مرة امام التزامات حكومية قاطعة 'للشراكة' واستعداد للانفتاح على الافكار الاصلاحية التي يؤمن بها 'التجمع' وصاغها في وثيقته التأسيسية. وقد كنا لاحظنا أن الحكومة، قد استعارت تعابير 'اليسار الديمقراطي' عند الحديث عن الإصلاح السياسي، ما جعلنا نستبشر بأن الدولة جادة في المضي قدماً لتغيير قواعد اللعبة السياسية الداخلية، وان البلد على عتبة مرحلة جديدة، عنوانها تطوير وتحديث أساليب الحكم. وهذا ما أشرت له في كلمتي أثناء مناقشات الثقة.
نعم.. نحن على اعتاب مرحلة سياسية جديدة. وهذا يملي علينا كإصلاحيين أن لا نتخلى عن دورنا، وأن نلاقي هذا التوجه وندعمه ونعزز من مكانة الساعين إليه، لأننا نعرف ان للإصلاح معارضين في الحكومة وفي الطبقة السياسية الحاكمة.
في السياسة لا تؤخذ المواقف وفق قاعدة 'أبيض وأسود'. الواقعية السياسية التي اختارها 'التجمع' وأعطى الثقة على أساسها، تقوم على قاعدة : تسليف الثقة للحكومة وملاحقة 'العيار على باب الدار'. وسوف يتبنى 'التجمع' سياسة نقدية حازمة في متابعة شؤون الإصلاح السياسي. ولن يتخلى عن دوره في معارضة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتعارض مع توجهاته.
(الغد)