26-01-2011 10:17 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
مظاهرات القاهرة أمس تمثّل تأكيداً آخر ورسالة جديدة على درجة من الخطورة إلى النظام الرسمي العربي، فحواها "بقاء الحال من المحال"، بالرغم من استخفاف مسؤولين مصريين بفكرة الدومينو التونسي.
العنوان الرئيس للحال العربية اليوم، مهما تباينت المؤشرات واختلفت كمياً وكيفياً من دولة لأخرى، هو "الإفلاس السياسي"؛ استعصاء سلطوي، فساد مالي لا يرحم، هدر لقيمة المواطنة وكرامة الإنسان، فشل تنموي واقتصادي، عجز عن تأمين الحياة الكريمة، معدلات مرتفعة من البطالة والفقر، الفجوة الطبقية غير المنطقية، فشل في خلق فرص عمل، شعور شعبي عام بالقلق من المرحلة المقبلة التي تحمل ضغوطاً أكبر اقتصادياً واجتماعياً، وفشل في الإدماج السياسي ما خلق معضلة الأزمات الثقافية والاجتماعية والسياسية الداخلية.
الاختراق التونسي يتمثل في أنّها المرة الأولى التي تنزل فيها الشعوب إلى الشارع بهدف محدد وهو الديمقراطية، دفاعاً عن حقوقها وحرياتها، وإعلاناً لنهاية صلاحية الصيغة الحالية الرسمية.
أيّ شرعية للنظام الرسمي العربي اليوم؟ سابقاً، كانت هنالك حكومات استبدادية تمتلك جذوراً من الشرعية والدعاية السياسية، إمّا بالحديث عن مقاومة المشروع الصهيوني والوحدة العربية والقومية، أو تملك كاريزما سياسية، وهذا النوع من القيادات لم يعد موجوداً، فضلاً عن الهيمنة والعنجهية الصهيونية، وفي إطار أزمات تعصف بالدولة القطرية نفسها اليوم وتهددها بالتلاشي والانهيار، أو تلك القيادات التي ترفع لواء "شرعية الإنجاز"، من خلال علاقات زبونية تشتري فيها الولاءات، وهذا النوع سقط أيضاً، تحت مطرقة الضغوط الاقتصادية والفشل الفجّ والفساد المستشري.
في السنوات الأخيرة، بعد احتلال العراق وما تبعه من انهيار أمني وسياسي، استحدثت النظم العربية نمطاً آخر من الشرعية، يعكس ذروة الإفلاس السياسي، وبحد ذاته يمثل نموذجاً مثيراً وكاريكاتورياً في مواجهة عجلة التغيير والإصلاح السياسي، ألا وهو "الفوضى": إمّا أنا أو الطوفان.
للأمانة، فقد كان اختراعاً مذهلاً لجدوى "بقاء الحال"، لكن مفعوله أيضاً يذوي مع صعود حدة الأزمات الداخلية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومع الضغوط الاقتصادية الخانقة على قطاع الشباب، في مجتمعات فتية، تعاني من البطالة والحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والشعور بالظلم وغياب العدالة.
ماذا تبقى، سوى سلطة العصا وشرعيتها والتخويف والترهيب، وهي سلطة في أحسن الأحوال لن تكون أقوى من الحالة التونسية التي تهاوت أمام الشارع في ساعات.
مساحات المناورة باتت محدودة، وسياسات شراء الوقت تستنفد مردودها وتنعكس في أزمات تكبر وتصبح أكثر خطورة، والسيناريوهات المتاحة لم يعد منها "بقاء الحال"، فإمّا إصلاحات بنيوية متدرجة سلمية تؤدي إلى ديمقراطية حقيقية، على طريقة "الصفقة التاريخية" (كما حدث في الماغناكارتا)، بعيداً عن المخاطر الاجتماعية، أو السيناريو التونسي عندما تغلق الأبواب.
بيت القصيد، أنّ ما يحتاجه صنّاع القرار العربي وهم يحاولون ويجتهدون في تفسير هذا التسارع في العدوى التونسية هو أن ينظروا بعين المؤرخين الحكماء والقادة الكبار، لمواجهة استحقاقات الإصلاح البنيوي الحقيقي، وليس الشكلي العابر.
m.aburumman@alghad.jo
الغد