برحيل الاديب والسياسي سالم النحاس تفقد الحركة الادبية والسياسية الاردنية والعربية احد المناضلين الحقيقيين الشرفاء على جبهتي الادب والسياسة, فهو قامة ادبية وسياسية تنتمي الى جيل العمالقة الشرفاء, في مرحلة النهوض الوطني والادبي, جيل النكبات المتوالية على الامة العربية, جيل حفر بالصخر وصمد امام قسوة الظروف.
لقد عاش ابو يعرب, كبيرا في مواقفه ورحل كبيرا, لانه بقي صامدا عنيدا ومتشبثا بالحياة وبكل القيم التي ناضل من اجلها الاردنيون الشرفاء, فقد تمسك سالم النحاس بالحياة بعناد ورجولة, لانه دائما كان متفائلا في الشعب وفي التحولات الديمقراطية التي نذر نفسه من اجلها, فهو لم يسع الى مصلحة شخصية بل ناضل من اجل قضية وطن وشعب.
سالم النحاس, صاحب قلم وفكر ملتزم بقضايا شعبه الاردني, حتى انه في غمرة النضال اليومي نسي نفسه وعائلته, فلم يجد في لحظة مرضه تامينا صحيا او راتبا تقاعديا يسد به باب الحاجة, او يدفع به اجرة بيته, فقد عاش سالم غنيا بمبادئه ومواقفه, لكنه مات فقيرا لم يعرف الحسابات البنكية على الاطلاق, مات لا يملك الا تاريخا مشرفا ينحني له الاخرون.
لا يمكن ان يمر اسم سالم النحاس بدون ان تكون فلسطين وقضية شعبها حاضرة, فقد وهبها جل نضاله وخصص لها الكثير من ابداعه الادبي ونضاله السياسي, ففي مجموعته القصصية "وانت يا مادبا " اعتلى سالم النحاس جرسية "دير اللاتين " فكانت مشاهداته لجهات مادبا الاربع, وتشبيهه الادبي والسياسي البليغ في وصف نكبة شعب فلسطين. فمادبا مدينته الحبيبة كما رآها "يحدها من الشمال مقبرة الروم الارثوذكس ومن الغرب مقبرة طائفة اللاتين ومن الشرق مقبرة المسلمين, اما من الجنوب فيحدها مخيم اللاجئين الفلسطينيين".
خسرناك يا أبا يعرب, لكن برحيلك لم تنطفئ الشمعة, فقد اوقدت شمعة ما زالت تنير ضمائر كل من عرفك او قرأ لك, وستبقى روحك المحبة للحياة والحرية, مصدر الهام للكثيرين من تلاميذك ولكل الذين عرفوك, صاحب قلم وفكر, وشكرا لكل من وقف معك ولم يخذلك في مرضك.
الموت لا كبير عليه, لكن رحيلك يا أبا يعرب, أوجعنا, لانك عانيت كثيرا, وصبرت طويلا, فمثلك يجب ان لا يكافأ الا بقدر ما قدم لوطنه وشعبه وامته, وانت قدمت الكثير الكثير.
طوبى لك يا سالم النحاس, فقد عشت نقيا ومت نقيا.