02-02-2011 08:27 AM
كل الاردن -
طاهر العدوان
لدرس الاول من الانتفاضة المليونية في مصر انه ثبت للقاصي والداني على الارض بان نظام مبارك كان يضع الشعب في قمقم وفي عزلة محكمة بحيث ان الجميع اساء قراءة الاوضاع الداخلية في مصر, وذهبت هذه القراءات الخاطئة بعواصم عربية واوروبية, اضافة الى امريكا, بان تقدم الدعم "للدولة الامنية" في مصر وغير مصر بحجة ان هذا هو الطريق الى الاستقرار في المنطقة
من البيت الابيض الى الشانزيليزيه و 10 داوننج ستريت, وحيثما ادعى اي نظام بانه يشجع الحرية وحقوق الانسان لكل الشعوب, كان هناك دائما موقف مختلف عندما يتعلق الامر بمطالب الحرية والديمقراطية في البلاد العربية, والسبب معروف, ان زعماء اوروبا والولايات المتحدة لا ينظرون الى الشعوب العربية الا من خلال المنظار الاسرائيلي واللوبي الصهيوني المساند له في الادارة والكونغرس بواشنطن.
عندما لا يتعلق الامر باسرائيل, فهم مع اي مظاهرة احتجاج صغيرة في اي عاصمة آسيوية وافريقية ولاتينية لا علاقة لها بالقضية العربية والفلسطينية, اما عندما تكون ساحة المطالب بالحريات في مصر والعالم العربي فإن المخاوف تزداد على احتلالات اسرائيل, وعندئذ (يبلع) قادة الديمقراطية السنتهم ويتلعثمون امام مشاهد الانتفاضة المليونية في مصر كأعظم واكبر تحرك شعبي من اجل الحرية, فلا يقدمون من دعم لهذه الحرية يساوي 5 بالمئة مما فعلوا عندما كانت هناك انتفاضات في جورجيا واوكرانيا وغيرهما.
بعد ثورة مصر من لا يُغَيِّر سيتغَيَّر, سواء كان الامر يتعلق بالانظمة القائمة في العالم العربي, او تلك السياسات الامريكية والاوروبية تجاه الشعوب العربية وقضاياها, ويشمل ذلك ايضا اسرائيل, التي نمت فيها سياسات الغطرسة والتطرف فيها, على المستويين الشعبي والحكومي, على مخزون الذل والهوان والتنازلات العربية التي لم تترك للشعوب ماء وجه وكرامة, فالتغيير في مصر سيجبر اسرائيل على تغيير سياستها, وان لم تفعل فان الدائرة ستدور عليها بما ترتكب من جرائم ضد الفلسطينيين واللبنانيين وتهويد للقدس الشريف.
لم نسمع من اوباما اي موقف حاسم ضد مبارك ونظامه انحيازا لثورة شعب مصر كله, كما كانت امريكا تفعل في لحظات تاريخية سابقة لشعوب اوروبية وافريقية. ولم نسمع من ساركوزي كلمة (ارحل) لرئيس مصر, كما نطقها الف مرة ضد الرئيس السوداني تأييدا لعصابات مسلحة في دارفور. اما كاميرون فهو على خطى بلير, يقول كلمات بلا معنى ولا تأثير لها على الارض, لتكون النتيجة ان ما يسمى بزعماء العالم الحر ما هم الا مخدّرين بحب اسرائيل وكراهية العرب حتى لو ادى الامر لدعم النظم الاستبدادية.
لقد تشوهت الصورة الاخلاقية لحكومات اوروبا وقيمها الاخلاقية في عيون الشعوب العربية عندما انساقت خلف احقاد المحافظين الجدد, اصدقاء اسرائيل, فأيدوا, بعكس شعوبهم, غزو وتحطيم العراق كدولة وشطب بناء على اكاذيب مخزية. وها هم اليوم يشاركون التحالف الامريكي - الاسرائيلي العنصري ضد العرب باتخاذ مواقف متذبذة ومنافقة تجاه ما يحدث في مصر من انتفاضة غير مسبوقة في تاريخ سعي الشعوب للحرية.
حان الوقت للانظمة من المحيط الى الخليج, ان تفتح ابواب القمقم ليرى العالم شعوبهم على حقيقتها, شعوب تنشد الحرية والعزّة والكرامة, ان يفعلوا ذلك افضل لهم من ان ينطلق المارد ليدمر كل شيء. ومن لا ينهج طريق الحكمة والعقل والحكم المستنير لنقل شعبه الى القرن الحادي والعشرين واحترام حقوقه كبشر متساوين مع الامريكي والاوروبي, فان ما تكشفه الشعوب لحكامها في الانتفاضات سيفاجئ الانظمة بحجم الوعي المصحوب بالحقد ضد من يتعامل مع الناس من فوق وبنظرة عنصرية مريضة, تقوم على الزعم بان العرب شعب معاد بطبعه لقيم الحرية والديمقراطية, وانه لا يساس الا بالسياط!.
taher.odwan@alarabalyawm.net
العرب اليوم