03-02-2011 12:38 PM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
لم تُجدِ محاولات بقايا الماكينة الإعلامية الرسمية التونسية والمصرية الضرب على وتر فوبيا الإخوان لإقناع الجماهير بالتراجع أو دفع الحلفاء الغربيين إلى خطوات أكثر قوة لدعم الأنظمة المتهاوية.
تكاد تكون إسرائيل واللوبيات المرتبطة بها اليوم هي الأكثر تحريضاً على الانتفاضة الشعبية المصرية وتخويف الولايات المتحدة والغرب من نتائجها، والتذكير بالثورة الإيرانية ومقارنتها بها، وبتأثيرها على المصالح الغربية في المنطقة، وخطورة التحولات الجارية، كما يذهب مباشرةً البروفسور هيلل بريش، الباحث في مركز بيغن للشؤون الاستراتيجية في مقالته في يديعوت أحرنوت.
تسير في السياق نفسه بعض الصحف الغربية والمسؤولين الذين يرددون الأسطوانة المعتادة النمطية حول البديل الإسلامي الذي سيملأ الفراغ، في محاولة للالتفاف على النتائج المتوقعة للانتفاضة المصرية.
المفارقة الكبيرة أنّ هذا التيار (فوبيا الإخوان)، يصرّ على تجاهل الوقائع والأحداث، والقفز عنها، بالرغم أنّها تثبت بوضوح سقوط دعايته السياسية، وافتقادها للمصداقية والدقة، سواء من جهة طبيعة الثورات والحركات الجديدة أو من جهة التحولات البنيوية في الخطاب الإخواني نفسه.
الأحداث التونسية والمصرية لم تكن صنيعة الإخوان ولا وليدة المواجهة بين الأنظمة والإسلاميين عموماً، إنما هي حركات شعبية شبابية، بعيدة عن الأطر الأيديولوجية والحزبية، كما تعترف القوى السياسية المعارضة نفسها بذلك، التي تفاجأت بها كما تفاجأت بها أجهزة النظام.
عنوان هذه الأحداث، لأول مرّة في الخبرة العربية المعاصرة، الديمقراطية ولا شيء غير الديمقراطية، فهي لا تنادي بإقامة حكومات دينية ولا ثورية ولا أيديولوجية، فالمطالب واضحة ومحددة: ديمقراطية وعدالة اجتماعية ومكافحة فساد وحياة كريمة وكرامة وطنية، تكاد تجد إجماعاً عليها ليس فقط في شوارع تونس والقاهرة، بل في الشوارع العربية كافة اليوم.
الخطاب الذي نسمعه من القوى الشبابية الجديدة اليوم متيقظ لحماية الثورة والمنجز من أي اختطاف أيديولوجي يحيد به عن أهدافه الرئيسة تلك، وهنالك خطوات واضحة لتأسيس المرحلة الجديدة على هذه الأرضية الديمقراطية الخصبة.
في المقابل، من يرصد خطاب الإخوان في مصر أو حزب النهضة في تونس وحركتهم على الأرض يجد تحولات مهمة، حتى في خطاب هذه القوى، يدفع بها إلى الواقعية والبراغماتية والحرص على تقديم رسائل واضحة بعدم وجود "نوايا" لاختطاف المنجز الديمقراطي أو تحويله عن مساره.
فور عودته إلى تونس بعد سنوات طويلة من المنفى، سارع زعيم حزب النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، إلى الإعلان عن عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، في رسالة تستبطن أنّ الحزب يبتعد عن شبح الثورة الإيرانية والحالة الخمينية، التي تقلق القوى السياسية الأخرى والغرب.
الخطاب الإخواني في مصر لا يختلف عن إسلاميي تونس، فالرسائل التي تصدر عن قادة الجماعة تشدد على الإيمان بالمسار الديمقراطي، والتعددية السياسية وتداول السلطة والشراكة مع الآخرين، وهي مضامين تترجم عملياً ما أعلنه "الإخوان" في مبادراتهم الإصلاحية منذ العام 2005 ، في مصر والأردن وسورية.
بلا شك، تبقى هنالك مناطق رمادية وشكوك يثيرها آخرون حول "مصداقية" هذه الرسائل، وعدم انقلاب الإخوان عليها، وهنالك أيضاً أسئلة حول البرنامج الاجتماعي للإسلاميين ومدى القدرة على خلق معادلة تفك الاشتباك بين الأيديولوجية التي يتبنونها والحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها اليوم في المواثيق الدولية والإنسانية.
إذا كان من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذه الأسئلة في اللحظة الراهنة، وقبل اختبار المرحلة الجديدة في العالم العربي، فإنّ هنالك ما يمكن أن يشكّل مؤشرات و"ضمانات" واقعية تحجّم كثيراً من فزّاعة "الإخونجية" التي طالما استثمرتها النظم لإعاقة مشروع الإصلاح السياسي وفرملته.
الضمانة الأولى والرئيسة هي أنّنا أمام حالة شعبية اليوم مختلفة تماماً عن المرحلة السابقة أخذت وجبة ثقافية كبيرة شعورياً وفكرياً من الديمقراطية، لن تقبل بالتنازل عنها لأي قوة كانت، بخاصة أن الشعوب العربية قد جرّبت الأنظمة الثورية والعقائدية ولم تكن محاولات ناجحة.
الضمانة الثانية أنّ "الإخوان" أنفسهم تغيروا، وأصبحت الأجيال الجديدة تعلن القبول بالديمقراطية، ولا تفكر بإقامة دولة أيديولوجية مشاكلة للصيغة الإيرانية، بخاصة أنّ الثورة الإيرانية نفسها اليوم تعاني من أسئلة كبيرة حول شرعيتها السياسية ومصداقيتها لدى الأجيال الشابة الجديدة هناك.
لا يجوز النظر إلى "الإخوان" من دون تتبع التحولات الفكرية البنيوية التي مرّوا بها، وتضاعفت مخرجاتها لديهم خلال السنوات الأخيرة، وجميعها تؤكّد أنّنا أمام حركات تذهب باتجاه البراغماتية والواقعية والديمقراطية عموماً.
الضمانة الثالثة أنّ المؤشرات الرئيسة تؤكّد أنّ الإخوان ينظرون بواقعية إلى مشاركتهم السياسية في الحالة الجديدة في مصر وتونس، وسيقبلون بأدوار نسبية تحدّ من حجم المخاوف والقلق الغربي، ولدى النخب السياسية والليبرالية.
على صعيد البرنامج الاجتماعي، فإنّ فرصة المشاركة الجديدة للإسلاميين، ستكسبهم مزيداً من الواقعية السياسية، وستدفع بها، فكرياً وسياسياً، بدرجة كبيرة إلى الاقتراب من نموذج الأحزاب المحافظة في الغرب أو الأحزاب المسيحية الديمقراطية، أي الإمساك بخطاب محافظ لكن ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية بما لا يخل بالحريات العامة والفردية للمواطنين الآخرين، وهي حالة شبيهة بنموذج العدالة والتنمية في تركيا.
في نهاية اليوم، لا الوقائع الجديدة ولا الحركات الشعبية تدعم التلويح بالخطر الإسلامي، ولا الإسلاميون أنفسهم يطرحون مشروع الدولة الإسلامية الأيديولوجية، ومن الواضح أنّ هذه "الفزّاعة لم تعد تجدي" مع التحولات الأخيرة.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)