06-02-2011 03:22 PM
كل الاردن -
ياسـر قبيـلات
الحكاية الجديدة التي خرج بها أركان النظام في مصر، الذي يبدو أنه يدرك أن مستقبله مع مبارك وليس مع مصر، هي أن تنحي الرئيس منزوع الشرعية سيؤدي إلى فراغ دستوري وغياب للشرعية.
يا إلهي. كأنما كانت مصر طوال الثلاثين عاماً، التي مرت عليها مأساويةً، تحتكم إلى الدستور والشرعية..!
1
ثلاثون عاماً أمضاها مبارك في حكم مصر، ومرّ خلالها بأزمات صحية حرجة، لم تدفعه لمجرد التعاطي مع فكرة التحوط لـ"غياب الشرعية" والتحسب لاحتمال "الفراغ الدستوري" بتعيين نائب للرئيس، لا يكون ابنه جمال؛ واليوم يتباكى ويتحجج بالحفاظ على "الشرعية" والحرص على عدم إحداث "فراغ دستوري". وكل ذلك ليبقى ويستمر بالحكم.
ثلاثون عاماً خدم الطاقم الحكومي والعسكري والحزبي، الجديد والقديم، إلى جانب مبارك، ولم يؤرقهم ليوم ظرف طارئ تجد مصر نفسها فيه بدون رئيس أو في حالة "فراغ دستوري" و"غياب للشرعية"، واليوم يتباكون على مصر التي "يهددها" تنحي مبارك بغياب الشرعية وبالفراغ الدستوري لعدة أيام.
ثلاثون عاماً من تزوير مختلف أنواع الانتخابات، حزبية ونيابية ورئاسية وخلافها، ومن إطلاق يد "الأوليغارشية" الحاكمة لممارسة كل أنواع العبث اللامسؤول بالدستور والقوانين، ولم يعبأ "لا هو ولا جماعته" بالتأثير القاتل لذلك على الشرعية والدستور، ولم يتوانوا بحكم مصر طوال كل هذا الوقت دون الحاجة إليهما كليهما، ولم يترددوا في استخدام القوة وسلطتها لتعويض غيابهما.
وهكذا، ثلاثون عاماً ونيف من تعطيل الدستور بالتمديد المتكرر لقوانين الطوارئ، سيئة الذكر والصيت، دون أن يرف جفن لأحد منهم، هي دفاع عن الدستور والشرعية؛ والقول كفى لكل هذا ولكل من أسهم بهذا الوضع، بات تهديداً بـ"الفراغ الدستوري" و"غياب الشرعية"!.
ويريدون اليوم، وقد انتزع الشارع زمام المبادرة، أن يبقى "الرئيس" منزوع الشرعية ليعدل الدستور ويعين رئيسا، وحكومة، وأن يقرر مستقبل ومصير مصر بدلاً من ثورة شعبها، وربما يتفضل ويتكرم.. فيحل البرلمان ومجلس الشورى ويجري انتخابات جديدة على مزاجه، تعيد بعض أدوات السيطرة إلى يده ويد أزلامه وورثته.
وهنا، يقول التاريخ أن الثورة الشعبية لا يمكنها أن تسير وفق جدول أعمال يضعه سكرتير "الرئيس"!
2
لو كان الرئيس منزوع الشرعية (المخلوع حتماً في الغد)، ونائبه المزوّر الشرعية، ورئيس وزراءه عديمها، يريدون كما يتحدثون ويشيعون إجراء الإصلاحات التي يطالب بها الشارع مالك الشرعية، لكانوا أقروا أنهم، ثلاثتهم، يعيشون منذ ثلاثين عاماً خارج الشرعية، وأن ليس بوسعهم أن يصنعوا شيئاً للحفاظ عليها ودرء مخاطر الفراغ الدستوري، الذي يلوحون به؛ وأفضل ما يمكن أن يصنعوه لفتح الباب أمام أي إصلاح، هو.. التنحي.
لو كانوا يريدون الإصلاحات لما كان التلفزيون المصري يبث على مدار الساعة، في الوقت الذي ينام فيه شباب مصر المحتج ويقتل في ميدان التحرير، برامج صحة وجمال وأسرة، كأنما هو يوم روتيني آخر من أيام حكم مبارك البليدة المملة. ولما كان النظام أضطر إلى كل هذا العداء للصحافة والإعلام، وصب جام غضبه على قناة الجزيرة، وإلى كل هذا التسويف والمماطلة إزاء المطالب الشرعية، الدستورية والقانونية، التي تخضبت بدماء المصريين.
وإذا كانوا يريدون إجراء الإصلاحات، فلم يلجأون لـ"البلطجية" في التعامل مع الشارع المطالب بالإصلاحات..؟! ولِمَ يتأخرون في الاستجابة إلى المطالب الأولية مثل تنحي رئيس منزوع الشرعية تجرأ على الحريات العامة، ولقمة العيش، ومقدرات البلاد، ودستورها، وقوانينها، وأراق دماء المصريين..
وأي منطق هذا الذي يقضي بأن يكون مثل هذا الرئيس، الذي يجب أن يحاكم لاعتدائه الطويل على الدستور والقانون والحياة السياسية، عنواناً للإصلاح والتغيير، وأن يكون برلمانه فاقد الشرعية هيئة منظمة لتعديل الدستور..!؟
والسؤال: كيف يكون أسبوع من الفراغ الدستوري وغياب الشرعية غير محتمل وخطر على وجود الدولة، ولم يكن خطراً على مصر التي عاشت لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً من غياب الشرعية وتزويرا دستورياً!
إن من المؤسف، أن ينجر بعض أساتذة القانون للتعاطي مع الأطروحات المتهافتة التي تسوق لبقاء "رئيس" خلعه الشعب، بينما هم يعلمون أن فاقد الشرعية لا يعطيها، وأن ما من شرعية تبنى على أساس شرعي، وأن الحالة التي تعيشها مصر اليوم تحيلنا على البديهية التي يقررها الدستور نفسه، حيث "الشعب مصدر السلطات"، والشعب الذي يحتج بثمانية ملايين منه قادر على منح الشرعية، بالمعنى الدستوري والقانوني والثوري، تكفي لخلع "الرئيس" وغيره وإقامة وضع جديد.
ومن المؤسف أن يتعامى هؤلاء، بينما ينساقون وراء الخشية من الفوضى والفراغ، أن الشرعية مفقودة الآن، والفوضى تحصيل حاصل.. بغض النظر عن خلع مبارك أم إمهاله، وأن الأجدر بهم كرجال قانون وقضاة المسارعة للتفاهم مع الشارع الاحتجاجي للعمل على تشكيل جمعية تأسيسية، ببرنامج عمل فوري يبدأ بإقالة "الرئيس" ونائبه ورجاله ومجلسيه التشريعيين المزورين، وإلغاء العمل بقوانين الطوارئ وتعديل الدستور وصولاً إلى وضع الآليات اللازمة لإيجاد قيادة بديلة مؤقتة تواجه الاستحقاقات اللاحقة.
3
نغمة جديدة صعدت إلى سطح الخطاب، الذي احتاج فجأة أن يكون عاطفياً، تقول بأن "الرئيس يريد خروجاً آمنا وكريماً". ولكن ماذا عن كرامة البلد والشعب المسلوبة منذ ثلاثين عاماً..!؟ ثم كيف يكون المعنى الحصري لـ"الخروج الآمن" هو البقاء في السلطة..!؟
وفي علمنا أن الخروج الآمن، لا يلزمه سوى طائرة برحلة جوية مباشرة إلى "منتجع جدة للزعماء العرب المخلوعين"!
والأسئلة تتداعى تباعاً بالبال:
كرامة الرئيس منزوع الشرعية منذ ثلاثين عاماً، أم كرامة الشعب..!؟
كرامة النظام الفاسد المتداعي، أم كرامة مصر..!؟
وما هذه الكرامة المعيبة والمشينة، التي لا يتم الحفاظ عليها إلا بالدوس على إرادة الشعب..!؟
وما هذه الكرامة المعيبة والمشينة، التي لا يتم الحفاظ عليها إلا بقتل المصريين ودهسهم كالخراف في الشارع..!؟
ومن هذا الزعيم المعارض، الذي يمكنه أن يتجرد من الكرامة ليقبل الحوار على أساس معادلة مثل هذه..!؟
بطبيعة الحال، فإن هذه الأسئلة التي يطرحها أداء النظام تذكرنا بالمفردة المفقود: "ديكتاتورية غائبة الوعي"، عاشت آمنة في ظل أدائها لدور سياسي ارتهاني، اختزلت الحجم السياسي لمصر، قائدة الأمة العربية، بمجرد دور إداري صغير، جعل حجمها السياسي يصبح أصغر من حجم "جمهورية جزر القمر المتحدة".
واليوم، يحاول أركان النظام خلق عدة شخصيات وجماعات طامعة بالسلطة، أو بجزء من كعكتها، لشق الحركة الاحتجاجية وتفتيتها، وتحويل التغيير إلى فكرة خطرة، يخشاها رجل الشارع، المحتج والساخط في بيته على حد سواء. ولم يتردد رئيس الوزراء المعين أحمد شفيق من القول: "المحتشدون في ميدان التحرير هم الآن أقل. ليسوا أقل كثيراً ولكنهم أقل"، والإيحاء بأنه يتم تحريكهم من مراكز قوى خارج الميدان، وأن ليس لديهم رؤية واضحة ولا بديل سياسي جاهز.
وبإختصار، إذا ما أضيف هذا إلى "المعالجات" التسويفية لتسويق بقاء مبارك حتى نهاية "ولايته" بدعوى "الكرامة" وخطر "الفراغ الدستوري" و"غياب الشرعية"، فإننا نلحظ أن هناك محاولة تجري لإعادة الحركة الاحتجاجية من منطقة الثورة الشعبية إلى منطقة الأزمة السياسية؛ وهذا رهان ترعاه وتنشغل به اسرائيل مع أركان النظام.
الغاية النهائية من ذلك، هو استعادة الفرصة بانتزاع الولاية على إجراء الاصلاحات، والانتخابات، وتمرير المرشح "الوريث" ذاته (وإن بأسماء ليس منها جمال مبارك أو عمر سليمان)، في معادلة تجري باسم الشعب.
يبدو ذلك خيالياً، في ظل الزخم الذي يشهده ميدان التحرير والتفاعل الدولي مع الأحداث؛ ولكن مع إمكانيات اللعب بالميدان وجمهوره الفاقد لقيادة وبرنامج سياسي ورؤية واضحة لما بعد مبارك، مع الانشغال الاسرائيلي بالحدث، فإن المرء لا يستطيع إلا أن يعترف بأن الخطر ماثل.
4
يقولون: "الرئيس يريد الموت على أرض مصر"؛ فليتفضل وليمت! لن يمنعه أحد، ولا يحتاج للبقاء في سدة الحكم لتحقيق أمنيته هذه؛ يمكنه أن يتوجه بكل بساطة لميدان التحرير، ويترك نفسه عرضة لـ"مطاوي" "بلطجيته" المأجورين، ونحن على ثقة بأنهم لن يوفروه، وسيريحونه ويريحون عموم الشعب المصري، أعداءه ومناصريه على حد سواء.
ولكن رجاءً، فليفعلها الآن، لأن لا شيء يستدعي التأخير!