اسر لي بعض رجال الاعمال وممثلي القطاع الخاص تخوفهم من ان يكون هناك قطيعة بينهم وبين الحكومة المقبلة برئاسة د. معروف البخيت, على اعتبار ان الاخير لا يولي اهتماما للشأن الاقتصادي كسابقيه, ناهيك عن ان تجربة حكومته الاولى كانت مليئة بالتناقضات.
لعل هناك ما يدفع الرئيس لمثل هذا السلوك, فخلفية البخيت العلمية والعملية بعيدة كل البعد عن مجتمع رجال الاعمال واللوبيات الاقتصادية, اضافة الى انه يدرك تماما ان كثرة الحديث عن القضايا الاقتصادية سيف ذو حدين, فالنتائج عادة تكون محفوفة بالمخاطر, والمواطنون يتابعون بادق التفاصيل الحديث الاقتصادي للمسؤولين لمعرفة كيف سيساهم ذلك ايجابا على تحسين معيشتهم, وبالتالي فان المخاطرة بالرصيد الشعبي ستكون مرتفعة للرئيس اذا لم يتحقق شي من تلك الوعود كما جرت العادة, وبالتالي فالابتعاد جملة وتفصيلا عن الحديث في الامور الاقتصادية افضل وقاية من الدخول في مواجهة الدفاع عن السياسات الاقتصادية.
البخيت يختلف كليا عن الرؤساء السابقين في تناوله الشأن الاقتصادي, وقد يكون اقلهم متابعة للقضايا الاقتصادية, وعلى الرغم من جسامة تحديات الشأن الاقتصادي وخطورة الوضع على الامن المعيشي للمواطنين جراء كابوس الاسعار الذي بدا يلوح بالافق حرص البخيت على لقاء ممثلي القطاع الخاص والاستماع لهم قبيل تشكيل وزارته الثانية.
وعودة للوراء, فانه ابتداء من مرحلة الانعاش التي تحدثت عنها وزارة عبد الرؤوف ومرورا بالقوانين المؤقتة وتداعيات حرب العراق في حكومة علي ابو الراغب وانتهاء باحلام القطار السريع والمريح واستخراج الصخر الزيتي لحكومة عدنان بدران مرورا بصفقات البوتاس والفوسفات والمناطق التنموية في عهد حكومة البخيت الاولى وتعثر العملية الاستثمارية في حكومة الذهبي بسبب تداعيات الازمة العالمية والركود الاقتصادي وارتفاع الاسعار خلال الحكومة السابقة تدخل وزارة البخيت في العمل العام وهي ترث ارثا كبيرا من التشاؤم وغياب الرؤية للعملية التنموية الوطنية, والواقع ان بوصلة التنمية مفقودة في الاردن منذ سنوات, فالحكومات المنصرمة باتت حقلا للتجارب اكثر منها للعمل ضمن برامج تنموية محددة الاهداف والزمان.
البخيت نأى بنفسه عن الخوض في تلك السياسات والبرامج التي لا تغني ولا تسمن من جوع, عكس حديثه المتواصل عن قانون الانتخاب والاصلاح السياسي.
يبدو ان الرئيس البخيت شكل لنفسه اولويات في خطابه الاعلامي بعيدة كل البعد عن الشأن الاقتصادي الذي اصبح عنصرا ثانويا قد ينعكس على اداء حكومته المقبلة.
حكومة البخيت السابقة تحمل بكل اسف تجارب مريرة مع الشارع سواء كان هذا في الشأن الاقتصادي او السياسي, والامل معلق الان على ان يكون البخيت قد استفاد من اخطاء الماضي, فالسعيد من اتعظ بغيره, والمطلوب برنامج اقتصادي وطني متفق عليه من كافة الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص وتحقيق شراكة حقيقية وفعلية مع رجال الاعمال والموازنة في العمل ما بين السياسة والاقتصاد.