12-02-2011 07:01 AM
كل الاردن -
مقالات في روايات من الأردن
صدر للكاتبة الأردنية هيا صالح ضمن إصدارات الزرقاء مدينة الثقافة الأردنية 2010، كتاب بعنوان "المرجع وظلاله"، تضمن قراءات نقدية في إحدى وعشرين رواية من الأردن تمثل تجارب متنوعة في التقنيات والأساليب، ومن أجيال مختلفة.
وجاء في المقدمة التي وضعها د.سلطان المعاني، أن هيا صالح تقف في منتصف المرحلة بين الروايةِ التقليدية والروايةِ الجديدة، حيث الروايةُ الحديثة، التي يعنونها الماضي بالتصميم الذي يجسد رؤية توثيقية للعالم، فهي تغوص في الظواهر وتعيها وتربط بينها وتفسرها وتعللها في بناء هندسي ينساق تنامياً بدايةً وذروةً ونهاية.
وقد تناولت هيا صالح روايات كِتابها نقدياً وفق عدِّ هذه الروايات، أعمالاً فنية لها تقنياتها وأساليبها وقيمها الجمالية، فقد نهجت في درس الروايات منهجاً لا يتكئ على الموروث من التيارات النقدية، إذ كانت مرنة متحركة في المعايير التي تحمي نسق التناولات النقدية، من حيث الالتفات إلى النصوص الإبداعية نفسها غفلاً عن تقلبات الكاتب السياسية والفكرية.
ويشير المعاني إلى أن القراءة النقدية للنص الإبداعي لا تخضع لمؤثرات خارجية في تفسير النص وفهمه، وهذا ما اقتضى الفصل بين الكاتب مهنةً والكاتب مبدعاً. وهذا منهجٌ يبتغي، مقابل منهج الحفر المعرفي الميشال فوكوي، جعلَ الوحدات الخاصة الجزئية لبناتٍ ترفع مداميك البناء ليصل إلى الشكل الشمولي ذي الوظيفة والنمطية المبتغاة عند الروائي والمتلقي والناقد. مؤكداً أن الدائرة الدلالية في بنية السرد تتجاوز الشكل والواقع وتهتم بالروئية الفنية والبنى الدالّة التي تتقاطع مع فعل الكتابة.
وفي تناولها للروايات موضوع الدرس، ناقشت هيا صالح تكاثر الشخصيات في الروايات حيثما تنامى العمل السردي واتسع الحيز وتباعد الزمن، وكان هذا التنامي في ظهور شخصيات رئيسية وثانوية وهامشية تؤثث مجتمع الرواية. وقد نسغت الناقدة كتابها وفق ما يراه المعاني، "في حبْكٍ بديع، كيفيةَ ارتباط الشخصيات بالمحيط تلقائياً، وكيف تترك الرواية لهذه الشخصيات ملامح الفعل الذي تجسده طبيعة العمل الروائي الذي يصنعه أو يمهد له الحدث في حيز متفاعل.. وهو ما لم يسمح بانفلات خيط السرد البديع الناظم".
وبينت الناقدة حالةَ التوليفة التي أولتها الرواية الأردنية في السرد والحوار؛ تاركةً الحوادث والأفكار تنمو عن طريق اللغة، دونما إطالة في السرد، فقد جاء الحوار في جلّ الروايات المدروسة أساسياً، خلقَ نمواً انفعالياً وعاطفياً وتفاعلياً بين شخصيات الرواية.
وتستغل الناقدة، كما يرى المعاني، تفوقَ الروائي الأردني في تشكيل المكان إطاراً للحدث، فلم يكن هذا الروائي محايداً البتة، بل أضفى علاقة تبادلية بينه وبين الشخصيات، بمعنى أن المكان يشكل على نحو واعٍ الحالةَ النفسية والخصائص الثقافية والاجتماعية لمجموع شخصيات كل رواية.
كما تناولت صالح توظيف الزمن؛ بإيقافه أو تسريع وتيرته، أو بناء المونولوج الداخلي.. سواء في نمطية الإيقاع الوقتي أو في الزمن المفصلي الذي جاء حادَّ الوضوح، يحتفي بتعاقب اللحظات، حيث يحسُّ القارئُ قدرتَها على التفاعل مع الرواية في تفسير موقف الشخصيات من الزمن المفصلي، وعلى إبراز مستوى هذا التفاعل بلغة عالية الرونق سلاسةً ودقّةً وسرداً.. فهنالك رصد للزمن النفسي خلال النظرات، وتصويرٌ للمشاعر المتناقضة.
وترى صالح أن الروايات التي تناولتها في كِتابها، حافلة بالقضايا الإنسانية، تثيرها لتطفو على السطح وتعْرضها على الضمير الإنساني من دون حدود أو ألوان أو أدلجة، هكذا، بوصفها قضايا إنسانية مجردة، فجاء أبطال الروايات وبيئاتها بحسب المعاني، شواهد على الخوف والقلق جراء القتل والفقر والمرض وعبثية الحروب ووحشيتها ومجانية الموت، والتهميش وطمس الحريات ومصادرة الهوية، لذا كان عالم روايات الكتاب مفتوحاً على مصارعه يرتحل فيها الأبطال المقموعون والمهمشون كيفما شاءوا مناضلين ينشدون الحرية.
وقد تضمن الكتاب قراءات في روايات لكلٍّ من: مؤنس الرزاز "حين تستيقظ الأحلام"، عدي مدانات "تلك الطرق"، إلياس فركوح "أرض اليمبوس"، هاشم غرايبة "الشهبندر"، سميحة خريس "الصحن"، جمال أبو حمدان "خيط الدم"، فاروق وادي "عصفور الشمس"، رمضان الرواشدة "النهر لن يفصلني عنك"، راشد عيسى "مفتاح الباب المخلوع"، يحيى القيسي "أبناء السماء"، إبراهيم غبيش "شمال غرب"، رفقة دودين "أعواد ثقاب"، هزاع البراري "تراب الغريب"، محمد سناجلة "ظلال الواحد"، إبراهيم عوض الله "ظمأ السنابل"، إبراهيم عقرباوي "نهارات شائكة"، نوال العلي "سيرة النائم"، سوزان الراسخ "امرأة على أرجوحة الزمن"، كفى الزعبي "سقف من طين"، عماد مدانات "حنو البير"، حسام الرشيد "طريد الرمم".
يُذكر أن هذا الإصدار هو الثالث للكاتبة هيا صالح في مجال النقد، وكانت أصدرت سابقاً: "الخروج إلى الذات" (دار نارة للنشر والتوزيع بدعم أمانة عمّان الكبرى، 2006)، و"سرد الحياة" (وكالة الصحافة العربية، القاهرة، 2010). كما أصدرت في مجال الكتابة للطفل: "كعكة الفاكهة" (وزارة الثقافة، 2007، ط 2 عن مشروع مكتبة الأسرة، 2010)، "سلمى واليرقات" (وزارة الثقافة، 2010). وفي التعريب: "سلّة العنب" (سلسلة "حاتم"، المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي"، 2010).