12-02-2011 08:10 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
منذ الوهلة الأولى، تبدو تشكيلة الحكومة الحالية مناقضة تماماً لنمط الحكومات الذي ساد خلال المرحلة الأخيرة، سواء من حيث حجم الفريق السياسي الضخم مقابل الوزراء التكنوقراط سابقاً، أم من حيث التركيبة العمرية التي تتسم بالشيخوخة مقابل السمة الشبابية للحكومات السابقة، أو من حيث الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والبعد عن خلط الموقع العام بـ'البزنس'، كما حدث سابقاً.
جاء د. معروف البخيت هذه المرة بشخصيات معروفة في مقابل مجموعة من 'الشباب' كانت أقرب إلى 'المستشرقين' في رؤيتهم للمجتمع ورؤية المجتمع لهم. إذ من المؤكد أنّ الوزراء الجدد هم من اختيار د. البخيت شخصياً.
هل نحن أمام ردة فعل على تلك المرحلة؟ هذا صحيح، لكن بصورة مبالغ فيها كثيراً. وتعكس التشكيلة الهاجس العام الذي سيطر على تفكير البخيت أثناء المرحلة الماضية، وهو الحرص على وجود سياسيين مخضرمين قادرين على الاشتباك مع الشارع والوصول إليه ومواجهة البرلمان، ويؤمنون بدور الدولة في شتى المجالات، وباحترام الإدارة العامة.
بهذا الفريق، يحاول البخيت ملامسة الأولوية الرئيسة التي جاءت الحكومة لتحقيقها، وهي إطلاق مسار الإصلاح السياسي عبر حوار موسّع، وصولاً إلى قانون انتخاب، ومن ثم انتخابات نيابية مبكّرة.
عند هذه الحدود، تبدو ملامح القوة في التشكيلة، لكنها تعكس، على الجهة المقابلة، جملة من الثغرات ونقاط الضعف الواضحة.
أولى الصدمات، تتمثّل في الفريق السياسي نفسه، إذ يعكس نخبة أغلبها ينتمي إلى الاتجاهات التقليدية، بعيداً عن التماس مع النخب السياسية الجديدة التي تقود الحراك الشعبي، وتقترب بصورة واقعية وجدّية من جيل الشباب الجديد وهمومه ومطالبه وطموحاته السياسية.
البخيت حاول الحصول على تشكيلة تتحدث مع الشارع، فجاء بسياسيين محترمين، لكنه لم يطعّمهم بجيل من الشباب الجديد المسيس ذي الخلفية الاجتماعية القريبة من الناس، إذ الشارع لدينا يحتوي ألواناً سياسية وقوى اجتماعية متعددة ومختلفة، وفي حين منحت التشكيلة 'رسائل حسن نية' لقوى معينة، أثارت قلق ودهشة شرائح اجتماعية أكثر امتداداً واتساعاً، ولم يقدم لنا نخبة شبابية مغايرة لتلك التي حملتها الحكومات السابقة.
ومن باب الأمانة، فقد حاول البخيت استقطاب ألوان متعددة ومختلفة من الطيف السياسي، لكن سلسلة الاعتذارات واستنكاف بعض الشخصيات أثّر سلباً على التنوع المطلوب، كما حدث مع الحركة الإسلامية والشخصية المرموقة عمر الرزّاز، لكن لو أجال الرئيس النظر قليلاً حوله لوجد بدائل عديدة من الشباب الجديد الذي يحظى بحضور جيد في الشارع.
هذه الاعتبارات أثقلت الحكومة بالنخبة التقليدية القومية في الفريق السياسي، وهي نخبة محترمة بلا شك، لكن الإكثار من هذا اللون تحول إلى نقطة ضعف وليس قوة في التشكيلة، وحرم الحكومة من أسماء أخرى، كانت ستقترب بها من شرائح اجتماعية واسعة لتصبح حكومة وفاق وطني، بدلاً من التركيز على ألوان متعددة.
بالطبع التركيز على 'الفريق السياسي' لم يكن يعني إضعاف المطبخ الاقتصادي، لكن هذا ما نراه جلياً في التشكيلة الحالية، على الرغم من أن الرد على كتاب التكليف الملكي استبطن رؤية اقتصادية فيها استدراكات وملاحظات نقدية واضحة، لم نجد من أسماء الوزراء الحاليين من يمكنه ترجمتها من خلال سياسات جديدة.
على أيّ حال، الحكومة، إن لم تعكس سقف التوقعات المرتفع، فإنّها تتعامل مع مرحلة انتقالية وبمهمات سياسية واضحة، تمر عبر قانون الانتخاب الجديد والتحضير لانتخابات نيابية مبكرة، لمدة محدودة من المتوقع ألا تتجاوز العام كثيراً، فدعونا نركز على إنجاح المهمة وترك المعارك الجانبية التي تضعف التركيز على المسار الرئيس المطلوب، وهو الإصلاح السياسي.
m.aburumman@alghad.jo
الغد