13-02-2011 10:11 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
من كان يتصور ان نظاما حكم 30 عاما سيسقط في 18 يوما؟ من كان يتصور ان شعبا استنزفت كل طاقاته سيفجر 'ثورة' تدهش العالم كله؟
قبل شهر فقط لم يكن احد يتصور ذلك ، وان كان يتمناه او ينتظره ، لكنه حدث ، جاءت 'الشرارة' الاولى من تونس ثم انتقلت سريعا الى مصر ، ورغم ما بين التجربتين من اختلاف ، الا ان النتيجة تبدو واحدة: الشعب يخرج الى الشارع ليشهر ثورته والنظام يخرج من السلطة وتسقط شرعيته ، وتلك -بالطبع - قيمة الثورة اذ تعيد تعريف 'الشرعية' ، فالشرعية -في الحقيقة والاصل - هي ملك الناس ، يمنحونها بارادتهم ورغبتهم واختيارهم لحكامهم ويفوضونهم بموجبها ادارة شؤونهم وتدبير امورهم ثم ينتزعونها متى ارادوا ، هذه هي قيمة الثورة في مصر وهذا اول دروسها وهو معنى الشعار الكبير الذي رفعته وظلت مصممة عليه الى ان تحققت ارادة الشعب بسقوط النظام.
لم يدرك الرئيس المصري 'السابق' هذه الحقيقة وظل يعاند على امتداد الاسابيع الماضية ويناور للبقاء في الحكم ، هل كان يعتقد ان هذه الملايين التي خرجت للمطالبة برحيله لا تمتلك ارادة 'تغييره'؟ هل كان يتصور بان 'الشرعية' التي اوصلته الى الحكم كانت مستمدة من 'الحزب' ام من 'رجال' البزنس ام من الخارج؟ لا يهم ، فقد سقطت كل هذه الرهانات والتصورات وتأكدت حقيقة واحدة فقط ارادة الشعب هي الفيصل والميزان ، منها استمد 'الرئيس' شرعيته وبانتزاعها منه يفقد شرعية استمراره.. فمن حق من اعطى ان يأخذ واذا لم يتحقق 'الاخذ' بالشكل المطلوب فمن حقه ان يسترد ما اعطاه.
لا شك بان 'الجيش' المصري قد ادرك -مبكرا - هذه الحقيقة ، ولذلك قرر الحياد في الايام الاولى 'للثورة' ولم يمارس الانحياز لا للنظام ولا للمحتجين ، لكن مع اكتمال 'شكل' الثورة ونضوج مضامينها لم يجد امامه الا ان يحسم موقفه ، وهو 'الانحياز للشرعية' ولهذا تضمن بيانه الثالث بانه 'ليس بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب' بمعنى ان الشرعية التي اسقطها الشارع بارادته عن النظام الحاكم اصبحت الآن 'امانة' بيد الجيش ، وانه ملزم 'بردها' الى اصحابها بعد فترة انتقالية يصار فيها الى اجراء ما يلزم من تدابير لنقل السلطة وبناء النظام الجديد.
ميزة 'الثورة' المصرية انها لم تأت على شكل انقلاب من العسكر ، او على هيئة انتفاضة تقودها النخب والاحزاب والقوى السياسية او بفعل تدخل خارجي سواء اكان سياسيا او عسكريا وانما جاءت من 'الشعب' وبصورة عفوية وسلمية ثم اخذت مداها الزمني اللازم لتتحرك وتكتمل صورتها ولهذا اكتسبت 'شرعيتها' وضمنت حيويتها واستمرارها لا لتغيير النظام فقط وانما لاحياء 'روح' الشعب واعادة وعيه اليه ، والزام الذين انتقلت اليهم امانة 'الشرعية' بالحفاظ عليها وتسليمها لمن يختاره الناس في المرحلة القادمة.
باختصار ، انتصار الثورة المصرية ليس حدثا مصرية صرفا وليس درسا للدول والحكومات وليس لحظة عابرة في تاريخ الامم ولكنه انتصار لارادة الشعوب كلها ودرس لها ايضا ، انتصار لقيمة الشرعية واعادة الاعتبار لها انتصار لقدرة الناس على انتزاع حقوقهم واثبات حضورهم وفرض مطالبهم وانتصار 'للانسان' اي انسان ، يبحث عن الحرية والعدالة ويرفض الظلم والاستعباد.
الدستور