20-02-2011 06:49 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
كنا فيما مضى ننتظر نهاية 'الأعوام' لنختار لها ما يناسبها من أسماء ، خذ مثلاً عام 'الحزن' وعام 'العدوان'.. وعام 'النكسة'.. والنكبة.. الخ ، لكن هذا العام يفرض علينا منذ ولادته اسماً يستحقه بلا نقاش وهو عام 'الغضب' ، فمنذ ان خرج هذا العام من رحم سنواتنا الراكدة انطلقت ثورات 'الغضب' الشعبي ، وتدحرجت مثل 'كرة النار' تماماً ، من تونس إلى مصر إلى ليبيا والبحرين واليمن والجزائر.. وفي القائمة ما يزال متسعّ كبيرّ لاخرين لم يسجلوا أسماءهم بعد.
نحن - إذن - أمام 'ثورات' عربية كبرى ، وبراكين غضب قد لا تستثني احداً. وواهم من يظن ان 'الشعوب' تمزح أو انها تحاول ان تجَس نبض حكوماتها ، او انها تصدق 'أوهام' الاصلاح او 'تبلتلع' وصفات التغيير المغشوش الذي جربته ولم يحقق لها أي شيء ، وواهم من يعتقد ان بامكانه ان يعيد 'مارد' التغيير الذي انطلق الى 'قمقمه' أو ان يتعامل معه بمنطق 'البلطجة' او 'عصا الأمن' او 'أسافين' الانقسام او 'أوتار' المشاعر الوطنية ومقولات الاستقرار التي يحميها 'الفساد' والصمت على الجوع والفقر والمهانة.
لا يجوز أن نتصور بان الشعوب العربية التي تخرج اليوم بالآلاف والملايين الى الشوارع لتطالب بالتغيير او حتى بالاصلاح تكذب او تتجمل او انها مصابة بعدوى 'الثورة' او ان روح 'بوعزيزي' قد تلبستها ، فهي - في الحقيقة - وان كانت قد استلهمت كل ذلك مما حصل حولها ، الا انها تعبر عن 'يقظتها' والتقاطها للحظة تاريخية نادراً ما تتكرر ، ولذلك فان اختبارها بالحلول التقليدية التي جربناها على امتداد العقود الماضية مصيره الفشل ، كما ان احتواء 'روحها' بالوسائل القديمة دليل آخر على افلاسنا وفقرنا وعدم قدرتنا على فهم ما يحدث ، فقد دربت الانظمة التي سقطت في مصر وتونس كل وصفات 'المواجهة' بالأمن والبلطجة والقتل والمماطلة والاعتماد على 'اوهام' الخصوصيات ودعم الخارج ، لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان ان 'روح' التغيير التي دبت في أجساد الشعب اقوى من ان تحاصر او ان 'تجتث' ، فاستسلمت لارادة الناس وخرجت من السلطة بصورة غير مشرفة.
لقد بُحت اصواتنا على امتداد الاسابيع الماضية ، ونحن ندعو الى التقاط ما يصلنا من رسائل 'التغيير' التي اجتاحت عالمنا العربي ، والى الانصات لاصوات الناس ومطالبهم ، والى الاعتبار من روح 'الغضب' التي داهمت كل مواطن عربي ، وكنا على امل - بأن تلتقط حكوماتنا هذه الذبذبات ، وان تتجنب تكرار تجارب 'البلطجة' التي مارسها الآخرون ، وان تتقدم بأوراق الاصلاح الشامل دون أية مماطلة الى الناس لتطمئنهم وتقنعهم بانها جادة في وعودها.. لكن - للأسف - ما زلنا نمارس ذات 'اللعبة' التي تغيرت اصولها وقواعدها ، وما زلنا نتصور بان 'الناس' يمزحون عندما ترتفع وتتصاعد احتجاجاتهم ومطالبهم ، وما زلنا نصر على التعامل معهم بمنطق 'الاستهتار' وتقسيط 'الاصلاحات' وتسكين 'المشكلات' ، ما زلنا نمارس ذلك وكأننا نعيش في 'عالم افتراضي' بعيد عن الواقع الذي نتابعه على الشاشات.
بوسعنا الآن ان نستدرك هذا المنطق ، وان نفهم 'ارادة' الناس على حقيقتها ، وان نخرج من 'جلباب' الماضي لو فعلنا ذلك ستكون 'التكلفة' السياسية والاجتماعية أقل ، والمخرج الآمن موجود ، وثمن 'التغيير' ممكن تحمله ومرض لكل الأطراف.. أليس كذلك؟
(الدستور)