01-03-2011 08:53 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
التحدي الأكبر والحقيقي أمام حكومة معروف البخيت يكمن في الوقت، إذ تبدو المسافة الفاصلة بين ما تفكّر فيه الحكومة وتعمل عليه وبين سرعة الحراك الشعبي وارتفاع سقف مطالبه يوماً بعد يوم عاملاً ليس في صالح الرئيس، وهو يحاول جاهداً إقناع الرأي العام بجدّيته في الإصلاح السياسي.
بالنظر إلى الأسابيع الأخيرة، فإننا نشهد تصاعداً واضحاً وملموساً في الطروحات السياسية في الشارع. فبالرغم من التوافق السياسي الداخلي على المظلة الملكية للحكم في الأردن، إلاّ أنّ مضمون المطالب ينمو سريعاً، ويصل إلى مستوى كان يُعتبر سابقاً من الخطوط الحمراء، وإذا به اليوم حديثاً متداولاً في الشارع.
بدأت الدعوات برحيل حكومة سمير الرفاعي، ومن ثم حلّ البرلمان، فتعديلات دستورية، لتأخذ منحى تصاعديا أعلى من ذلك، من قبل أطراف سياسية متعددة.
أمام هذه المعطيات يبدو البخيت مقيّد اليدين، وهو يواجه برلماناً مُتربِّصاً ومحتقناً، وأجندات شخصية لمجموعة من النواب تحاول تخليق 'أجواء عدائية' مع الحكومة، بل وتهدف إلى إسقاطها، ما يجعل أي حديث عن انتخابات نيابية مبكّرة ومواعيد مجدولة لذلك، بمثابة 'انتحار سياسي' قبل الحصول على ثقة المجلس، الذي يحكم مواقفه شبح الحلّ.
على الجهة المقابلة، فإنّ البخيت أمام السباق الأخطر مع الوقت، في الملف الاقتصادي، إذ تشير أغلب القراءات أنّنا أمام ظروف أكثر صعوبة وقسوة على الأردنيين، ومعدلات نمو اقتصادي منخفضة، وعجز ومديونية يزدادان خطراً مع حزمة القرارات الشعبية للتخفيف من رفع الأسعار.
وفقاً لهذه القراءات، فإنّ حكومة سمير الرفاعي دفعت بمبلغ 420 مليون دينار لحزمة قراراتها الأخيرة في المكافآت، نقلت 200 مليون منها من باب النفقات الرأسمالية إلى الجارية، في حين وعدنا بمساعدات 'مؤكدة' بمائة وعشرين مليونا، وبقيت مائة مليون يمكن أن تحوّل إلى العجز والمديونية.
ما يقلق أكثر أنّ الظروف الحالية لا تشي باستثمارات جديدة من القطاع الخاص، فيما يؤدي نقل النفقات من الرأسمالية إلى الجارية إلى إضعاف فرص النمو، وكل هذا سيؤثر في نهاية اليوم على الاستقرار الاقتصادي فالسياسي والأمني.
الرهان الرئيس هنا يتمثل في إقناع 'الأشقاء الأغنياء' بخطورة الوضع الاقتصادي لنا، وتأثيره على الأوضاع السياسية، في ظل ظروف إقليمية مضطربة، تحمل رياح التغيير الثورية على مختلف دول المنطقة.
أمّا إذا تأخرت المساعدات الخارجية، فإنّ الحكومة ستكون وجهاً لوجه مع احتمالات انفجار الاحتقان الشعبي جرّاء الظروف الاقتصادية القاسية، وعدم قدرة الشريحة الكبرى من المواطنين على التكيف مع هذه الشروط.
إذن، المسافة الزمنية لا تفصل فقط بين تسارع الحراك السياسي الداخلي وحركة الحكومة المقيّدة بمعادلات وحسابات زمنية أبطأ، بل أيضاً بين المسار الاقتصادي والمسار السياسي الذي كان يعوّل عليه احتواء الاحتقانات الاجتماعية والسخط الشعبي.
تحاول الحكومة تسجيل نقاط سياسية لدى الشارع من خلال المسارعة في إجراءات سياسية لإطلاق الحريات العامة، وفي فتح الملف الأكثر أهمية وحساسية لدى أغلب الناس وهو الفساد، بإرسال 'الملفات السوداء' إلى هيئة مكافحة الفساد، لكن حتى هذه الخطوات تواجه الحكومة فيها محاولة نيابية لـ'سحب البساط'، وتحويلها من رصيد الحكومة إلى الجهة المقابلة.
بعد معركة الثقة الصعبة، ومع نهاية الأسبوع الحالي، في حال بقيت الحكومة، فإنّها مطالبة بتسريع شديد في خطواتها السياسية والاقتصادية، وباستلام زمام المبادرة في معركة الوقت التي تشكل اليوم عنواناً للنجاح أو الفشل.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)