14-03-2011 04:28 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
استغرقني مرّة أخرى سؤال رئيس، وأنا -ما أزال- أقرأ الكتاب الرائع لنصر والي 'صعود قوى الثروة'، فيما إذا كان الطبقة الوسطى (بدرجاتها الاقتصادية المختلفة) المتعلمة والمهنية في الأردن قادرة على المساهمة في مهمة الانتقال إلى المستقبل عبر الدفع إلى زواج المصالح الاقتصادية بالإصلاح السياسي وبناء معادلة توازن بين الإيمان والحداثة، كما هي حال الطبقة الوسطى التركية التي تحدّث عنها والي معتبراً أنّها سرّ النجاح التركي، ونموذج يملك مفتاح التغيير المطلوب.
لا توجد لدينا أرقام دقيقة ومعلومات حاسمة، لكن المعطيات الموجودة، على الأقل، تؤكد أن جيل الشباب الجديد من أبناء الطبقة الوسطى هم من أداروا الجولات الأولى من المعركة السياسية مع الاستبداد المصري والتونسي، قبل أن تدخل الشرائح الاجتماعية الأخرى والقوى السياسية الأيديولوجية على الخط، وتساهم في دفع عجلة الثورة.
في الأردن، يبدو الوضع مختلفاً إلى الآن، إذ إنّ القوى التي تتحرّك في الشارع هي القوى الحزبية السياسية، لكن معها في الوقت نفسه حركات جديدة تعكس مظلومية اقتصادية، كما هي الحال في النخبة التي تمثّل طليعة شريحة المعلمين، التي تعدّ من أكبر الشرائح الاجتماعية في البلاد، وهي اجتماعياً- ثقافياً تحمل قيم الطبقة الوسطى وهمومها، حتى وإن كانت اقتصادياً تراجعت إلى عداد الطبقات الكادحة.
المزاج السياسي الذي يغلّف مطالب الشارع يتخذ طابعاً حركياً -إسلامياً، قومياً ويسارياً، وهي قوى وطنية بلا شك، تنتمي إلى مدارس أيديولوجية، تعكس رؤيتها السياسية والاقتصادية الناجزة، وإن كان بعضها مؤخراً بدأ يعيد هيكلة شعاراته وتصوراته بما ينسجم مع ضغوط الواقع وشروطه.
الغياب غير المبرر يتمثّل في التيار الليبرالي الوطني، وهو ما ذكّرني به كتاب نصر والي، ذلك أنّ الطبقة الوسطى بشقيها: القديم (الذي يعاني اقتصادياً)، والجديد (الطامح سياسياً)، لا بد أن تلعب دوراً محورياً في التغيير، وفي التعبير عن مصالح شريحة واسعة من المواطنين، ترنو إلى تحديد أهداف واقعية معينة ورئيسة، تحت عنوان الإصلاح السياسي: كالمواطنة ودولة القانون والمؤسسات، والحريات العامة وحقوق الإنسان، وفصل المجال الأمني عن السياسي، وتداول السلطة والتعددية السياسية، وتحت عنوان الإصلاح الاقتصادي: العدالة الاجتماعية وبرنامج اقتصادي يراعي التوازن بين أمن الشرائح الاجتماعية المختلفة ومصالحها.
لا يمكن الزعم أنّ الطبقة الوسطى اليوم خارج الحراك السياسي، فهنالك جزء منها مندمج بالتيار الإسلامي ومواقفه، وجزء أقل ذو ميول يسارية، وكلاهما يعبّر عن نفسه بوضوح في الشارع، لكن ما هو غائب تماماً هو الجزء الليبرالي، الذي يمثّل -كما أحسب- نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى وهمومها وطموحاتها الواقعية، لكنه إلى الآن لم يعبّر عن نفسه بصورة خطاب سياسي متماسك، بقدر ما يدعم التوجهات الإصلاحية هنا أو هناك.
الليبرالية ليست تهمة ولا جريمة، ولا يجوز أن نصادر المدارس الليبرالية المختلفة بسبب المدرسة الليبرالية المتطرفة ومقولاتها الاقتصادية، ولا أن نتخذ موقفاً معادياً لرجال الأعمال عموماً تحت وطأة الغضب من المرحلة السابقة، ولا أن نطالب بالنكوص إلى وراء من خلال تعميمٍ مؤدلجٍ مُفرطٍ في السلبية تجاه المدارس الليبرالية كافة.
تَشَكُّلُ التيار الليبرالي عبر خطابٍ وقُوىً كِفاحيةٍ كفيلٌ بخلق توازنات مطلوبة في حركة الشارع وداخل المشهد السياسي، والتحضير في الانتقال لمرحلة من الديمقراطية وتداول السلطة.
لكن المطلوب أن يكون هذا التيار، نظيفاً، مستقلاً تماماً عن الدولة، وأن يعكس مصالح الطبقة الوسطى والفئات المكونة لها، وهنالك اليوم 'خميرة' جيّدة من الشباب المؤهل للقيام بهذه المهمة.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)