17-03-2011 08:19 AM
كل الاردن -
حسين الرواشدة
هل تخاف من انتقاد الحكومة علنا؟ هذا السؤال تكرر توجيهه على مدى اكثر من عشر سنوات في الاستطلاعات التي اجراها مركز الدراسات الاستراتيجية حول اوضاع "الديمقراطية" في الاردن ، وكانت الاجابة مفزعة بالطبع اذ اكد نحو %75 من المستطلَعين انهم يخافون فعلا انتقاد الحكومة او معارضتها علنا ، وحين سُئلوا لماذا؟ قالوا" بان "شبح" الممارسات التي استهدفتهم قبل مرحلة التحول الديمقراطي عام 1990 ما زال يطاردهم وبان ذاكرتهم لم تستطع -بعد - شطب هذه الانطباعات او تغييرها.
لا ادري -بالطبع - فيما اذا كانت هذه الارقام دقيقة ، وفيما اذا كانت الحكومات "سعيدة" بهذه النتائج ، لكن ما اعرفه انني شخصيا ، وغيري من الكتاب الذين أعرفهم ، لا يراودنا مثل هذا الخوف اطلاقا لا في مواسم الانفراج ولا في مواسم التضييق والاغلاق ، كما ان الحكومات لم تبذل اي جهد "لتغيير" هذه الصورة وكأنها كانت "مرتاحة" تماما لصمت الناس وسكوتهم ، حتى وان تحدثت طويلا عن "الاغلبية الصامتة" التي ظلت تطالبها برفع صوتها خاصة في"الازمات" التي تحتاج فيها الى اصوات اخرى غير تلك التي تطالب وتحتج وتنتقد.
الآن ، يبدو ان الناس قد تحرروا من خوفهم ، وتجاوزوا ايضا حواجز الصمت والكسل ، وبوسعنا ان نتابع عشرات الاعتصامات والاحتجاجات التي تخرج يوميا في شوارعنا سواء على شكل "مطالبات" مهنية ومعيشية او "دعوات" للاصلاح والتغيير بسقوف غير مألوفة ، لندرك حجم هذه التحولات التي طرأت على مجتمعنا ، لا تسال: لماذا حدث هذا؟ وكيف؟ فمارد التغيير الذي انطلق في عالمنا العربي وصور "الاحتجاجات" والثورات التي تتناقلها الشاشات واغراءات "الحرية" التي الهمت الشباب بالانضمام الى "الاغلبية الناطقة" هذه -وغيرها من الاسباب - كفيلة بالاجابة عن ذلك لكن الاهم هو كيف نتعامل مع هذه التحولات الجديدة؟ وكيف يمكن للحكومات التي استراحت طويلا في شهور "عسل الخوف" ان تتصالح مع عصر "الجرأة" والصراحة والمطالبات المتصاعدة ، ومع اصوات الناس وتهديداتهم التي ارتفعت فجأة ودون مقدمات ، ولا يمكن لاحد ان يقول لها: لا.
لا توجد لديّ وصفة غير تلك التي انتهت اليها مآلات "التجارب": التي تابعنا فصولها في محيطنا العربي ، وهي وصفة "التغيير" هذه التي يمكن ان تستوعب "رياح" الحرية التي هبت وتتكيف مع روح الوعي التي انطلقت وتتصالح مع "حماسة" الشباب ومطالبهم وتتفاعل مع العناصر الجديدة التي دخلت في "مركب" المعادلات الشعبية: عناصر الامل غير المحدود والجرأة غير المألوفة والسرعة غيير المتوقعة... والاصرار على الوصول الى الهدف مهما كان الثمن.
تجربة الحكومات السابقة في اطار الخوف من انتقادها كانت مفهومة لكن ماذا عن تجربة الحكومة الراهنة في سياق "انكسار" حاجز الخوف؟ هذا سؤال يفترض ان ننتبه اليه وان نجيب عنه بصراحة.. ومن حسن حظنا ان انكسار هذا الحاجز يمنحنا القدرة على رؤية الصورة ومعرفة تفاصيلها والتقاط اصوات "الناطقين" وقياس ذبذباتها بعد ان سقطت نظرية الاغلبية الصامتة وبعد ان تجاوزت الشعوب احزابها ونخبها واخذت بيدها زمام المبادرة.
باختصار ، اذا كانت الشعوب قد كسرت حاجز الخوف فان المطلوب من الحكومات ان تكسر حاجز "الممانعة" والانتظار والتسويف وان تخرج من دائرة الرهان على "الخوف" الى الرهان على "الحرية" هذه التي اصبحت اللغة الوحيدة للتفاهم بين الناس وبين حكوماتهم وقياداتهم ايضا.
الدستور