19-03-2011 08:56 AM
كل الاردن -
محمد أبو رمان
لم تخرج الحكومة بعد من جدلية التشكيل والتمثيل في لجنة الحوار الوطني، حتى وقعت في إشكالية "سقف" الصلاحيات أو المساحات المتاحة للجنة، فيما إذا كانت مهمتها الوحيدة هي إنجاز قانوني انتخاب وأحزاب، أم أيّ ملفات يعتقد أعضاء اللجنة أنّها ضرورية للوصول إلى تجديد النظام السياسي؟
في رسالة الحكومة لأعضاء اللجنة، ومن ثم الرسالة الملكية لرئيسها طاهر المصري، هنالك تركيز على قانوني الانتخاب والأحزاب، لكن رسالة الحكومة تفتح المجال لمناقشة أي تشريعات تكفل تطوير الحياة السياسية، وهو ما يتيح أفقاً أوسع لتوسيع نطاق الحوار وعدم حصره في القانونين المذكورين.
الفجوة، هنا، تبدو واضحة بين سقف الخطاب الرسمي إلى الآن، وسقف مطالب الشارع وطموحه الإصلاحي، وهو ما يتبدى في الحديث عن "التعديلات الدستورية" المطلوبة، وتوقيت ذلك. فالحكومة تعلن عدم ممانعتها لهذه التعديلات، لكن بعد الانتخابات النيابية المقبلة، بينما تصر "قوى الشارع" على أن تتوازى التعديلات الدستورية وتتزامن مع الخطوات الأخرى، مثل قانون الانتخاب، حتى تكون النتائج كبيرة، وليست محدودة.
الجانب الرسمي وإن كان يدفع باتجاه قانون انتخاب جديد يجمع بين القائمة النسبية والصوت الواحد، وحكومات برلمانية وتداول سلطة، وانتخابات مبكرة، إلاّ أنّه يريد تأنيّاً أكبر في المسار، وتدرجّاً مدروساً في حيثياته ونتائجه، مع الاعتراف أنّها المرة الأولى التي نصل فيها إلى تكسير "الممانعة الرسمية"، ولو نظرياً، التي تتحاشى الوصول إلى الإقرار بقبول إصلاحات بنيوية تعيد هيكلة النظام، بصورة مختلفة.
بينما القوى السياسية الشعبية تريد إصلاحاً حقيقياً ملموساً واضحاً محدداً منذ الآن، يستند إلى إصلاح دستوري يؤسس بصورة متينة لمبدأ "الأمة مصدر السلطات" واستقلالية كل سلطة عن الأخرى، ويجرف التعديلات التي أضعفت حضور الدستور وقوته في المعادلة السياسية، ويعيد الاعتبار للجانب النيابي والدستوري في سمات النظام السياسي، كضمانة في مواجهة أي احتمال لنكوص رسمي عن وعود الإصلاح، أو تكرار لتجربتي الميثاق الوطني والأجندة الوطنية.
لجنة الحوار الوطني وإن كانت قد تشكلت بمبادرة حكومية، إلاّ أنّها –عملياً- تمثل "قوى الشارع"، باستثناء الاستنكاف الإخواني. فأغلب القوى التقليدية المعارضة والجديدة وجدت لها تمثيلاً في اللجنة، وهو ما يجعل من "فجوة سقف المطالب" قضية رئيسة ستواجهها الحكومة مع اللجنة منذ اللحظة الأولى اليوم، حين تنطلق أعمال اللجنة.
في المحصلة، إذا لم يحلّ هذا الاختلاف، فإنّه يهدد بالانفجار في وجه رئيسي الحكومة واللجنة، معروف البخيت وطاهر المصري، ما يضعف رصيدهما، ويؤزّم المشهد السياسي، ويهدد بالوصول إلى مربعات جديدة في الاشتباك بين الحكومة وقوى الشارع.
هنالك وجهة نظر أخرى تقول إنّ حزمة التعديلات الدستورية ستترك لرأس الدولة، ولجنة متخصصة بالقانون الدستوري وخبراء السياسة المخضرمين، وهو ما يردم الفجوة بين سقف الشارع والدولة، وينزع الألغام في عمل لجنة الحوار، بشرط أن يكون هذا معلناً وواضحاً منذ اللحظة الأولى في عمل اللجنة، وأن تمنح اللجنة تقديم توصياتها بالتعديلات الدستورية المقترحة لتقديمها للجنة المختصة.
إذا كانت "قوى الشارع" قد أعلنت، منذ اليوم الأول، أنّ المسار الأردني في التغيير لن يأخذ الطابع الثوري التونسي والمصري، وأنّ مسارنا هو "إصلاح النظام"، إلاّ أنّ المطلوب بوضوح الوصول إلى إصلاحات جوهرية وليست جزئية.
m.aburumman@alghad.jo
الغد