أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


من أجل الدوابشة

بقلم : ياسر المعادات
12-08-2015 12:50 PM
في خضم التفاعل الهائل الذي حظيت به قضية النقيب الفرنسي اليهودي الفريد دريفوس،كتب ايميل زولا عدة مقالات منها 'أنا أتهم' و في ذات السياق كتب 'من أجل اليهود'،ليعبر فيها عن سخطه الشديد تجاه ما تعرض له النقيب دريفوس المتهم بالخيانة و تسريب وثائق سرية إلى ألمانيا،و ليعبر زولا عن رفضه لتجاوز مبادىء الجمهورية الفرنسية و التي يرى بأنها تعرضت لطعنة في الصميم في اجراءات محاكمة دريفوس و في إطار النظرة العنصرية تجاه اليهود في المجتمع الفرنسي،لم يكن زولا وحيدا في المعركة فقد كان هناك تيار كامل داخل فرنسا مساند للقضية عرف 'بالدريفوسيين'،رغم نفي زولا و الحكم على دريفوس بالحبس إلا أن المحاكمة أعيدت بعد ذلك و تمت تبرئة دريفوس، مثلما تمت إعادة الاعتبار لزولا 'بعد موته'.
على غرار زولا كتب ايدوي بلينيل العام الماضي كتابا قيّما بعنوان 'من أجل المسلمين'،يعبر فيه هو الآخر عن سخطه الشديد تجاه ما يعانيه المسلمون الفرنسيون من مصادرة للحريّات و من نظرة عنصرية و اتهامات بالإرهاب،فيما يراه إعادة لسيناريو اضطهاد اليهود في القرن التاسع عشر في ذات فرنسا،يشير بلينيل في ملحق خاص في نهاية الكتاب إلى قضية الاعتداء على صحيفة 'شارلي ايبدو' و يدعو إلى ضرورة تكاتف المجتمع الفرنسي بكل مكوناته بما فيهم المسلمين دون محاولة تحميل هؤلاء مسؤولية الجريمة التي هزت فرنسا،في إطار قضية الصحيفة المذكورة تابع العالم توافد حشود من زعماء العالم للتنديد بالجريمة و من بين هؤلاء شارك عدد من الحكام العرب و المسلمين،مؤكدين وقوفهم إلى جانب فرنسا في وجه الهجمة الإرهابية و مؤكدين أيضا على تبرئهم من هؤلاء الإرهابيين،وقف هؤلاء جميعا إلى جانب الرئيس الفرنسي المكلوم فرانسوا هولاند يدا بيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،فماذا حدث بعد هذا الموقف؟!
استيقظ العالم 'أو أنه لم يستيقظ' على خبر إقدام عدد من المستوطنين الصهاينة على إحراق منزل عائلة دوابشة الفلسطينية في قرية دوما في محافظة نابلس في الضفة الغربية،أسفر الحريق الذي استخدم فيه المستوطنون الزجاجات الحارقة عن استشهاد الطفل الرضيع علي دوابشة فورا،قبل أن يلتحق به والده سعد دوابشة بعد أيام متأثرا بجراحه،ناهيك عن تعرض الأم رهام إلى حروق خطيرة قد تودي بها هي الأخرى،فيما يبدو أن الناجي الوحيد هو الطفل الأكبر للأسرة أحمد الذي رغم الحروق التي يعاني منها فلا يبدو أنه جاهز بعد إلى مغادرة محرقة الدنيا.
لم يقدم المستوطنون الصهاينة على هذا العمل و هم يعتبرون أسرة دوابشة بشرا في نفس القيمة التي هي للصهاينة،فبحسب الأيديولوجية الصهيونية التي قامت عليها دولة الكيان فإن العرب الفلسطينيين مجرد همج لا يستقيم وجودهم مع الدولة الصهيونية التقدمية،مما يحولهم إلى أشياء لا بأس من التخلص منها بأي وسيلة كانت،و هو أمر ينسف كل دعايات العرب المستسلمين القائلين بإمكانية قيام دولة فلسطينية إلى جوار أخرى إسرائيلية على أساس من السلام و المودة و الاحترام المتبادل.
بادر نتنياهو رفيق الزعماء العرب في مسيرة 'شارلي ايبدو' إلى اعتبار عمل إحراق منزل أسرة دوابشة عملا إرهابيا،في إطار الصورة المزدوجة التي تحرص النظم الاستيطانية إلى إظهارها إلى العالم،رغم أن الكيان الصهيوني مبني على عصابات هاجاناه مسلحة ساهمت إلى جانب الاستعمار البريطاني في طرد و تشريد و قتل الفلسطينيين،و ما يفعله مستوطنو اليوم هو محاكاة لأفعال الهاجاناه الأوائل،و لكن رغم ذلك فإن السلطة الصهيونية الحاكمة سارعت إلى إدانة العمل حرصا على مظهرها الدولي تماما كما تفعل الحكومات العربية الدكتاتورية في قمعها لشعوبها.
لم يهب رفاق نتنياهو في 'شارلي ايبدو' إلى تنظيم مسيرة حاشدة معبرين فيها عن سخطهم لهذه الجريمة الإرهابية،بل اكتفى بعضهم ببيان الشجب و الاستنكار المعتاد أي 'اللا موقف'،و هو أكثر ما ينتظر من هكذا قيادات لا تحظى بأدنى شرعية شعبية أو ديموقراطية،بقدر ما تحظى برضى الرفيق نتنياهو و القيادة الإمبريالية للعالم.
بالتحول إلى رد الفعل الشعبي العربي فإنه كعادته تخاذَل تخاذُل زعماءه و طأطأ رأسه باتجاه لوحة مفاتيح جهاز حاسوبه من أجل الزمجرة في وجه العدو الصهيوني المحتل القاتل،خصوصا و أن الجماهير العربية تعيش نكسة ما بعد هزيمة الربيع العربي و بالتالي عودة الدكتاتورية إلى كامل ألقها،و من ضمن هذه الردود الشعبية و من بين هذه الجماهير كانت جماهير الداخل الفلسطيني التي لا تختلف كثيرا عن باقي هذه الجماهير كوعي جمعي و إن ظهرت بين الفينة و الأخرى حالات تحاول المقاومة و ترفض التحول لشعب عربي جبان آخر،فرد فعل الداخل الفلسطيني كان خجولا ساعد عليه قدرات استخباراتية و قمعية هائلة تمتلكها اليوم السلطة الفلسطينية تضاهي أي نظام عربي دكتاتوري آخر،مثلما ساعد عليه انكفاء غزة على جراح العام الماضي التي ما تزال تنزفها،أما في العالم الغربي المتحضر 'أو الذي يدّعي ذلك' فخرج عدد من النشطاء في مظاهرات محدودة للتنديد بالعمل الإجرامي،و هو أمر متوقع في ظل الحصانة التي تحوزها إسرائيل و التي لا يستطيع التطاول عليها أي كان،و هو أمر يحيلنا مرة أخرى إلى النظرة العنصرية التي ينظر بها هؤلاء تجاهنا بغية تحويلنا إلى أشياء ليس في إطار السوق وحده بل في حق الحياة أيضا،برغم كل دعايات المحبة و الإنسانية التي يبشرون بها و يدعوننا إلى الالتحاق بهم فيها.
ليست حادثة أسرة دوابشة حادثة فردية ينبغي لها أن تمر بسلام كما يسعى البعض إلى جعلها كذلك،بل هي حادثة من ضمن حوادث عديدة وقعت و ستقع حتما بغية القضاء على وعي شعب مضطهد و جعله يعد الاضطهاد هو العقاب الملائم له على الخطيئة التي ارتكبها في مكوثه في أرضه إلى جوار السيد الصهيوني المتفوق عرقيا،و عندما تتم السيطرة على هذا الوعي فإن السيطرة على كل أفعاله تبدو مسألة تحصيل حاصل تساهم في القضاء نهائيا على أي بقايا لما يعرف ب'القضية الفلسطينية'.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012