أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


إنهم يزرعون الجرجير !

بقلم : د. محمود الحموري
15-08-2015 12:22 PM
بني وطني،
مجتمعنا يخدم من غيرنا، فأراضينا تفلح وتزرع بالوافدين ومطاعمنا تدار بالتنفيذ والنكهة والمذاق من عمال وافدين. سيارتنا في بيوتنا يغسلها العمال الوافدين، وكذا محطات الوقود ومحلات بيع الدجاج وبيع اللحوم...
ومنازل السادة والسيدات من شرائح واسعة من طبقاتنا العليا و الوسطى, ودون ذلك, 'نحن الأردنيون' تصان وتنظف بسواعد نحيلات, لعاملات خادمات, بعقود موثقة قادمات, أغلبهن مولودات في ركن بعيد.., من الجنوب الشرقي الآسيوي، ليوتنا خادمات آكلات شاربات نائمات, لأطفالنا حاضنات طاعمات, ولأمور كهولنا وصيفات مدبرات !
وشوارعنا الضيقة والواسعة, في القرى وفي المدن تكنس, ومناهلنا ومجارينا تفتح وتصان، وزبالتنا وحاوياتنا تلم و تجمع, من أمام بيوتنا وتزج في سيارات القمامة وحتى مكبات النفاية من عمال وافدين !
أما نحن فمحتارون, بل متسائلون, هل اقتصادنا في غرف الإنعاش أم في غرف العمليات ؟ فالحق والحقيقة أقول, بلا تردد ولا مواربة: أننا مجتمع مستهلك فيه تشوهات بنيوية, تحتاج لتصويب وإصلاح, و أول خطوة ضرورية وملحة, أن يخدم مجتمعنا الأردني نفسه بنفسه, لئلا نكون مجتمع عالة على خدمة الوافدين, لقد أصبح مجتمعنا أو يكاد, مجتمع بلا أقدام !. فهل آن لحكوماتنا ان تبدأ بخطط وخطوات لإقناعنا وتدريبناعلى تحمل المسؤولية, وخدمة بعضنا بعضا. نعم نستطيع كما فعل ألآباء و ألأجداد في الخمسينيات والستينيات وقبلها وبعدها.
لقد عمر الآباء الأرض أكثر مما عمرناها, بالغرس و الزراعة للتين وللزيتون والعنب... للقمح وللشعير... و في بناء الجدران الاستنادية والسناسل والمنازل. نعم لدينا بطالة و فقر وربما جوع قل أو كثر ولكن لدينا أيضا' ثقافة العزوف عن بعض الأعمال ونعتبرها معيبة و مسيئة لشخوصنا وأبنائنا وربما عشائرنا. الحقيقة الجلية هي: انه يوجد إمكانية لأن يخدم بعض أبناء المعسرين مثلا' 'الموسرين', وعلى الإدارات ان تبدأ بترشيد وتنظيم الأعمال بما يناسب حقوق الفئات جميعها بتبويب و بتحديد متقن وتصنيف للأجور بما لها وما عليها. وقد يصار إلى تقليص العقود للوافدين ومن ثم إيقافها وإلغائها على مراحل زمنية. فمجتمعنا يحتاج لخدمات محددة ومحسوبة, ليس لترف السادة والسيدات فيها نصيب, ومنطلقات لمظاهر هي أشبه ما تكون بالمظاهر الفارغة وبالعبودية المفرطة التي لا طائل منها ولا تخدمنا أبدا. والحقيقة الماثلة في هذا المشهد المختلط باننا نحتاج لنماذج وقدوات ريادية وإداريه عصامية, أشبه بجيل الآباء والاجداد في الارياف الذين كانوا يحرثوا حواكيرهم ويفلحوا اراضيهم بأنفسهم، ويتناولوا الإفطار, كلما تسنى لهم الوقت مع العمال الاردنيين جلوسا' وإياهم على تراب الحقول....
شكرا' للعمال الوافدين ولخدماتهم الجليلة, نقدر عاليا مهاراتهم, ومبارك لهم وعليهم تحويلاتهم 'الشحيحة والسخية' من العملات الصعبة, محولة من الدينار الاردني.
ومبارك عليكم ايها العمال كسبكم، انه جهدكم وعرق جبينكم, نغبطكم ولا نحسدكم عليه أو كما نقول دوما للضيوف 'مكان ما يسري يمري' والله يحفظكم وهو دوما' معكم. نريد أن نعطي الفرصة لأبنائنا في الجد والكدح والعمل, وخدمة الوطن. ونقول لأبنائنا بكل ثقة وروية: لا يوجد في العمل أعمال رفيعة و أخرى هابطه, فالرفيع فينا هو الذي يعمل والوضيع فينا من هو عالة على جهد ألآخرين, وهو الذي لا يعمل, و 'ينتظر أن تمطر عليه السماء الذهب والفضة' !
واعملوا ياأيها القادة والسادة في الأردن الحبيب، أن لا مستقبل مشرق لنا ان لم نلبس مما نصنع ونأكل مما نزرع, فلقد رأيت 'العمال بعض العمال الوافدين' رأي العين يزرعون الجرجير والخس والبقدونس والبصل الاخضر في شاطئ العقبة في مساحات ترابية ضيقة وصغيرة, يبيعونها للمطاعم وللمارة وللمتفسحين, ويحصلوا على ثمنها ويرسلوها مع مدخراتهم الى اسرهم في اوطانهم ؟
أنها حقا' مشاريع صغيرة بهمة كبيرة.
أما آن لنا أن نتلقى درسا' من الوافدين كما ينبغي لنا ويبتغي منا الوطن، ونعلم ابنائنا 'بأن على هذه الارض ما يستحق الحياة، ولا حياة كريمة الا مع العمل ولا شيئ غير العمل الشريف المنتج.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012