أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


وجه الزمان : وجه للبؤس و وجه للنضال

بقلم : ياسر المعادات
22-08-2015 11:27 AM
قام التلفزيون الأردني بإنتاج مسلسل وجه الزمان في عام 1988 المأخوذ عن رواية الكاتب الأردني طاهر العدوان و التي تحمل نفس المسمى،لا أذكر بالتحديد العام الذي شاهدت المسلسل فيه للمرة الأولى إذ كنت طفلا صغيرا و لكنني أذكر أن ظروف الحياة التي كنت أعيشها مع أسرتي في ذلك الوقت (بداية التسعينيات) مشابهة للظروف التي يعرضها المسلسل،من ناحية طبيعة الحياة بالتحديد،إذ أذكر أن أبي كان يمتلك قطيعا من الأغنام نعيش بالقرب منها في بيت الشعر صيفا و يحرث الأرض المجاورة لمكان إقامتنا و يهيئها للزراعة لنرحل شتاء إلى بيت المدينة هذه المرة و هو تطور حدث عما هو الحال في أحداث المسلسل.
يعرض وجه الزمان بعضا من معالم الحياة الأردنية في أربعينيات القرن الماضي،إذ يصور طبيعة هذه الحياة المتنقلة بين الريف و البادية و المدينة،و يبين طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين سكان شرقي نهر الأردن 'الأردنيين' و غربي النهر 'الفلسطينيين' إبان حرب عام 1948،يتمركز العمل عموما حول أسرة الأرملة نصرة (جولييت عواد) التي تشكل علاقات أسرتها أحداث المسلسل المختلفة في الأردن و في فلسطين،تتميز أحداث المسلسل بوجود عنصر صراع متحرك عبر أغلب الفترات التاريخية التي يصورها و في أغلب الأماكن التي يدور فيها،فمن صراع نفسي داخلي إلى صراع بين الأقارب إلى صراع بين أبناء البلد الواحد إلى صراع أخير مع الصهاينة نخسره نحن بطبيعة الحال.
وجه البؤس
على الرغم من كون الحياة تبدو بسيطة في أسرة الأرملة نصر و ما حولها في بداية المسلسل،إلا أن هذه الحياة تأخذ بالتدريج منحنى من التعقيد و البؤس يصبحان ملازمين لها في معظم تفاصيل و أحداث القصة،فهذه الأسرة المكونة من الأرملة و أولادها الثلاثة : ضيف الله العلي (شايش النعيمي) و أحمد العلي (مروان حمارنة) و الطفل محمد العلي (نبيل بكر قباني) أسرة فقيرة في المرج الذي تدور فيه الأحداث،و تعتمد على زراعة القمح بشكل رئيسي و على موسم مطري جيد علّه يساعدها على التخلص من ديون التاجر المرابي عليان (زهير النوباني)،و ربما يجعلها تشتري عددا من رؤوس الماعز 'كمنايح'،و لكن هيهات فوجه الزمان البائس يكشر لها عن أنيابه،في صورة هذا المرابي الذي يمثل نمط البرجوازية التي سحقت في تلك الحقبة عددا كبيرا من الفلاحين و استولت على أرضهم نظرا لجهل هؤلاء الفلاحين و عدم وجود مؤسسات وطنية تابعة للدولة تدافع عن مصالحهم،رغم كل هذا إلا أن هذه الأسرة لم تهزم دون قتال فها هو أحمد العلي يسجل نفسه كجندي في الجيش الأردني و يتقاضى راتبا ساعد على الوقوف في وجه البؤس في بعض الأوقات،و ها هو ضيف الله العلي يغرّب باتجاه فلسطين بحثا عن عمل في إحدى البيّارات علّه يساعد هو الآخر في استمرار صمود هذه الأسرة،قبل أن يتّخذ ضيف الله الثائر دوما في وجه المرابي عليان و ذنبه في المرج سعيّد (حابس العبادي) قرارا حاسما من خلال فتح 'دكانة' بالإشتراك مع خاله عوده (عبد الكريم القواسمي) و رفيقه في العمل أولا و في النضال ثانيا سند الحمدان (محمد ختوم)،ليوجه ضربة قاسية للمرابي عليان و يساعد في إحداث تغيير راديكالي في المرج يحوّل اتجاه رأس المال و الغلال التي يحتكرها عليان إلى المرج من جديد،و لكن وجه البؤس يأبى أن تنجح مقاومة الأسرة فيموت الطفل محمد العلي بعد عجز الأسرة عن نقله إلى المستشفى في الوقت الملائم بعد سقوط السكة على رجله التي تقطع بعد إصابتها بالغرغرينة قبل أن توافيه المنية لجهل الأرملة نصرة و اعتمادها على الطب البدائي الذي لم يفد صغيرها في شيء،قبل أن يموت ابن ضيف الله المولود حديثا،و يدمّر سعيّد مشروع 'الدكانة' بتحريض من عليان،و في خضم هذا يتضاعف دين المرابي على الأسرة و على المرج كله و الذي يشمل حتى سعيّد نفسه،ليستولي عليان على أراضي المرج بموجب صكوك بصّم عليها الحجة نصرة و أمثالها لتؤول الأرض له رغم كل محاولات ضيف الله الثورية التي يختتمها بمحاولة إحراق الموارس التي قام هو و جيرانه بزراعتها و لكنه يتراجع في اللحظة الأخيرة أسفا على ما زرعته يداه،هذا الجهل لم يضع أرض الأرملة نصرة و أبناءها وحدهم بل أضاع الكثير من أراضي الأردنيين سواء كان للمرابين أو الإقطاعيين و غيرهم،أذكر حكاية كان يرويها أبي عن أجدادي الّذين باعوا أرضهم في منطقة 'العارضة' ببضع علب من الحلاوة و 'صاك' (معطف).
وجه النضال
يظهر وجه النضال في المسلسل بظهور 'الدّواج' أبو عاصي المعروف في المرج بأبو حبيب (جميل عواد) و الذي يشرّق من فلسطين باتجاه الأردن كبائع لبعض الأشياء البسيطة في الظاهر،فيما هو في الحقيقة مناضل فلسطيني و أحد الذين شاركوا في الثورة الفلسطينية يدخل الأردن بغية جمع السلاح اللازم لمواجهة الصهاينة و حماتهم الإنجليز،تتطور علاقة أبي حبيب بضيف الله العلي فيكشف له عن وجهه الحقيقي و يطلب منه شراء مجموعة من الأسلحة و حملها معه إلى فلسطين،يوافق ضيف الله و يبدأ جمع الأسلحة و يخبؤها في بيت القرية إلى أن تكتشفها أمه و تخبر خالها 'المناضل القديم' الذي يفتخر بفعل ضيف الله و يحييه عليه و يحذره من تقاضي أي أجر على هذا العمل و يوضح له أن ما يقوم به هو جهاد في سبيل الله ينال أجره في السماء،يصل ضيف الله بالسلاح إلى فلسطين رغم وشاية سعيّد عنه لدى الدرك الذي يقوم قائده (عيسى صويص) بأداء اللازم مع الواشي سعيّد بتحمير قدميه بالخيزرانة،و أود أن أشير إلى نقطة هنا ألا و هي اعتقاد البعض أن ضيف الله يمثل دور المناضل مبارك أبو يامين أحد شيوخ قبيلة عباد و الّذي كان يقوم بإيواء المناضلين الفلسطينيين في بيته و يمدهم بالسلاح قبل أن يعتقل بأوامر بريطانية في عهد الملك عبد الله الأول،و لكن أبو يامين قد ورد ذكره على لسان قائد الدرك الذي أمر بتوجيه أحد معاونيه لتحذير أبو يامين من قدوم دورية تفتيش إليه و لكن دون ظهور فعلي لهذا المناضل العظيم في العمل،لأن أغلب الشخصيات في هذا العمل مستوحاة من رواية طاهر العدوان و إن تشابهت ظروفها و طبيعة حياتها مع الواقع المعاش آنذاك.
بالانتقال إلى الجندي أحمد العلي الشقيق الأصغر لضيف الله فإن دوره مرتبط بدور الجيش الأردني الذي كانت قيادته في يد الإنجليز في ذلك الوقت،و الذي بدأ يتحرك عسكريا ضد الصهاينة قبيل انسحاب القوات الإنجليزية من فلسطين بداية من التعاون مع الثوار الفلسطينيين و إمدادهم بالسلاح و المدربين،و انتهاء بالمواجهة العسكرية المباشرة مع الصهاينة في حرب 1948،يوجه راسم عزيز (زهير حسن) أحد قياديي الثوار الفلسطينيين خلال لقاءه بمطلق بيك (حابس حسين) أحد قادة الجيش الأردني انتقادا مباشرا لنهج الجيش من ناحية استمراره تحت إمرة الإنجليز،و هو أمر لافت للنظر يبين مدى مساحة الحرية في هذا العمل،فيرد مطلق بيك عليه قائلا:'الإنجليز نزيل اليوم...رحيل باكر'،في إشارة منه إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة العدو الصهيوني المقيم،يقوم أحمد العلي رفقة طريجم 'أخو صالحه'(زياد أبو سويلم) وعدد آخر من الجنود بتدريب الثوار الفلسطينيين على السلاح المهرب إليهم من قبل الجيش الأردني،و يتعرف أحمد في أحد المعسكرات على اسكندر (طارق عبد الله) رفيق أبو عاصي الذي استشهد في أقبية المخابرات البريطانية،و يخبره اسكندر عن علاقته بضيف الله و سند الحمدان و دورهما في توفير السلاح له في رحلته إلى الأردن قبل قتله للضابط الإنجليزي جونز (نبيل غباشي) قاتل الشهيد أبو عاصي.
يظهر سند الحمدان في صفوف الثوار الفلسطينيين بعيد مذبحة دير ياسين،في محاكاة لدور العديد من المناضلين الذين عبروا النهر لأداء واجبهم التاريخي في فلسطين سواء كانوا أفرادا من مثل الشهيد كايد مفلح عبيدات،أو كانوا جماعات كفرق العونة التي كانت القبائل الأردنية تجهزها و تمدها بالسلاح بغية القتال في فلسطين،يستشهد أخيرا أحمد العلي و طريجم و عدد من رفاقهم من جنود الجيش الأردني و من الثوار الفلسطينيين و المجاهدين العرب و تضيع فلسطين و يهجّر أهلها،و من ضمن هؤلاء عائلة فلسطينية لا تجد مأوى لها سوى حاكورة بيت الأرملة نصرة المهجرة هي الأخرى من المرج في موقف يبيّن سخرية وجه الزمان،يجتمع وجها الزمان سواء وجه البؤس أو وجه النضال في المشهد الأخير من المسلسل حين يأتي الخال عوده رفقة جندي لإخبار ضيف الله و أمه بنبأ استشهاد أحمد في اللحظة التي يولد فيها ابنه 'ابن الشهيد'.
تأتي فترة إنتاج هذا العمل في مرحلة تاريخية تسبق توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة بين الأردن و الكيان الصهيوني،و لهذا فإن هذا العمل كغيره من الأعمال التي تشعل الروح الوطنية في النفوس أصبحت طي النسيان و بفعل فاعل يرغب في طمس جزء من هوية نضالية تاريخية للشعب الأردني الذي امتزجت دماءه بالدماء الفلسطينية و العربية على ثرى فلسطين،و ما التذكير بهذه الأعمال إلى حفاظ على الهوية الوطنية و تعزيز لها في وجه هجمة الطمس الممنهجة هذه.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012