أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


خطاب الرئيس بين الفعل والتنظير

بقلم : سامي الاخرس
03-10-2015 12:20 PM
تباينت ردود الفعل الفلسطينية حول خطاب الرئيس محمود عباس بالأمس في الأمم المتحدة ما بين الترحيب والرفض، وذهب البعض إلى حد السخرية من القنابل التي تناولها الإعلام قبل الخطاب، في الوقت الذي يدرك الجميع البرنامج السياسي والقناعات السياسية للرئيس محمود عباس والإيمانية السلمية التي أعلن عنها قبل وبعد الخطاب.
فالقارئ لتركيبة الرئيس السياسية يدرك وللوهلة الأولى أن الرئيس محمود عباس من التيار المؤمن بالسلم، والعملية السلمية سواء أبان توليه للرئياسة أو قبل توليه، وأنه المهندس الفعلي لأوسلو. لذلك فإن ارتفاع سقف التوقعات لدى البعص يعتبر شيئًا أو ضربًا من الطوباوية السياسية،
بما أن قنابل الرئيس لن تخرج عن حدود القنابل السياسية في حدود ما يمتلكه من أوراق، وهو ما طرحها في خطابه حيث اتخذ تكتيك سياسي جديد، أو دشن مرحلة خطابية سياسية جديدة تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل مع الكيان، وقدم للعالم مخرجات الحالة الحالية من المماطلة والتسويف الإسرائيلي، واللامبالاة الأمريكية
وربما لخص كل ذلك في عبارة (فلسطين أرض السلام لا يوجد بها سلام).
جاء خطاب الرئيس في محتواه السياسي لا يحمل أي جديد، يضاهي الضجة الإعلامية والقنابل الإعلامية التفجيرية ، بما أن الرئيس لا يؤمن بالتفجير والتفخيخ، ووضع العالم في صورة وتجليات الأحداث، والمنطق الذي ستؤدي إليه هذه الحالة، فكان طرح البدائل يوم على عدة أسس منها:
1. إلغاء اتفاقية اوسلو وتوابعها في حالة استمرار التعنت الإسرائيلي، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، وهذا الأمر يحتاج لحلف وتحالف عربي قوي يدعمه، ويدعم مواجهة هذا الحلف مجهول الهوية والشخصية حتى راهن اللحظة، في ظل حالة الشرذمة العربية، وتدهور اوضاع القوى العربية التي يمكن أن تشكل قواعد قوة للرئيس مثل مصر التي تحدد مواقفها بناء على مصالحها، وترسم سياساتها على قاعدة التوازن بين القوى الفتحاوية المتناحرة المؤيدة للرئيس والمؤيدة لدحلان. إضافة لأحوالها الداخلية وأزمتها السياسية مع حركة حماس. في حين أن السعودية لا تشكل رافعة دافعة في الوقت الحالي لأي خطوات تصعيدية خشية الصدام مع الولايات المتدة الأمريكية، وكذلك المستنقع الذي وجد به الملك سليمان نفسه في سوريا، وسياسة التقارب التي اتبعها مع القوى الفلسطينية وعلى وجه التحديد حركة حماس المتناحرة مع الرئاسة.
2. ترتب على هذا الموف التنظيري الذي اتبعه الرئيس في خطابه أمام الأمم المتحدة بشكل ميكانيكي عدة خيارات أهمها:
أ. حل السلطة الفلسطينية وهو خيار لا يحتاج لقرار، وإنما يترتب تلقائيًا كنتيجة فعلية لقرار انهاء الاتفاقيات مع الكيان، خاصة وأن السلطة الفلسطينية وليدة أوسلو، وجنينها الشرعي.
ب. اعلان دولة فلسطينية تحت الاحتلال وهو خيار قائم بما أن الدولة الفلسطينية تم الإعلان عنها عام 1988، وأي محاولة للتنفيذ على الأرض يعتبر وفق عقلية الكيان بمثابة تمرد وثورة وحرب عليه وهو ما يعرض السلطة الفلسطينية ومؤسساتها لتدمير ممنهج، والرئيس للحصار والاغتيال كما التجارب مع ياسر عرفات، وتستغل 'إسرائيل' ذلك في حملة اعلامية شرسة بأن السلطة اتخذت خطوة آحادية الجانب، مما يعتبر مببرًا للتخلص من الضغوطات الدولية والأوروبية ومباغتت السلطة والرئيس وهي نفس المبررات التي تستخدمها' إسرائيل' في حروبها ضد غزة.
3. التوجه إلى المنظمات الدولية كورقة ضغط إضافية رغم تطمينات الرئيس ومبرراته بأن ذلك لحماية الشعب الفلسطيني إلا أنه يدرك حساسية هذا الموقف، وهذا التوجه على 'إسرائيل'، ومدى الإرتباك الذي يمكن أن تحدثه هذه الخطوة خشية المطالبات بمحاكمة قادته أمام محكمة الجنايات الدولية.
4. الإعلان عن الخطوات أو خطط المواجهة والبدائل لخيار حل السلطة الفلسطينية، وهو طرح حكومة اللجنة التنفيذية الوطنية، لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني كبرلمان، أي أن البدائل للسلطة ومؤسساتها قائمة وتكتسب الشرعية والاعتراف الدولي، وهو ما حدده الرئيس في تناول هذه المسألة بالتحديد بأن الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 تفوق عدد الدول التي أعترفت بدولة ' إسرائيل'.
5. لم يتجاهل الرئيس سعي ومطالب الشعب الفلسطيني للسلام، حيث تناول اختيار الفاتيكان لسيدتين من فلسطين في البطريركية الدولية، أي أنه أكد على ضحد وسم الشعب الفلسطيني بالإرهاب من قبل 'إسرائيل' ومحاولات الترويج لذلك.
هذه المحددات والمفاصل التي جاء عليها الرئيس في خطابه بالأمس ملوحًا بها أمام الأسرة الدولية وهو إعادة لعبارة ياسر عرفات (لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي) ولكن بديباجة أخرى مغايرة شكلًا متوافقة مضمونًا، ويبقى الأهم وهو السؤال الجدلي على الساحة الفلسطينية ما واقعية اتخاذ خطوات تنفيذية على الأرض؟
في ضوء المعطيات المحلية الحالية وحالة التناكف والتبارز التي بلغت ذروتها بين القوى الفلسطينية - الفلسطينية وعدم تقبل الآخر، وحالة القهر الشعبي من الإنقسام وممارسات السلطتين، وحالة الإحباط التي عليها الشعب الفلسطيني، وكذلك الحالة الإقليمية المعقدة والمهلهلة، فإن الأمر يحتاج لمزيدٍ من العقلانية في النظام السياسي اللسطيني، هذه العقلانية التي لابد وأن تؤسس على ما جاء في الخطاب بالأمس أي تعزيز الموقف الهجومي الذي عبر عنه الرئيس من خلال دعمه شعبيًا وصياغة خطة وطنية شاملة تتصدر المشهد الوطني، وتنطلق بعيدًا عن التفرد من أجل المصلحة الوطنية وتلفظ الحزبية العبودية القائمة في الفهم السياسي الحالي، والاندفاع قدمًا في سياسة الهجوم وهي فرصة نادرة الحدوث في الواقع المظلم الحالي، وهذا الأمر ليس بيد قوى المعارضة فحسب بل ويتطلب خطوات للأمام من السلطة الفل
1. إعاة تفعيل ملف المصالحة الوطنية الشاملة بعيدًا عن المحاصصة الوطنية، واتخاذ خطوات عملية على الأرض تبدأ بالاتفاق والتوافق بين الكل الفلسطيني على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وانتخابات مجلس وطني.
2. إعادة تفعيل الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، واتخاذ خطوات فاعلة على هذا الصعيد والنهوض بمنظمة التحرير ومؤسساتها التي اصابها التكلس بفعل التفرد والفساد الحزبي.
3. تفعيل مؤسسات المنظمة وتصويب عضوياتها الممثلة بالمجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية والصندوق القومي ومؤسساتها الأخرى على قاعدة الأكفأ والأصلح والابتعاد عن الولاءات وشراء الذمم.
4. تفعيل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الشعبية وترميم ما أصابها من ترهل وفساد وبيروقراطية.
أما على الصعيد العربي يتوجب إعادة الحرّاك للدبلوماسية الفلسطينية وإعادة صياغة استراتيجيات دبلوماسية تعمل على رأب الصدع مع القوى العربية الرسمية المؤثرة والضغط على هذه القوى أن تشكل رافد داعم للتحركات الفلسطينية الوحدوية دون اللعب والتلاعب على تناقضات القوى الفلسطينية الداخليه فيما يهدد أي تقارب أو حراك فلسطيني - فلسطيني.
إذن هذه التكتيكات السياسية تتطلب حراك أوسع واشمل من خلال تحريك جامعة الدول العربية والبرلمانات العربية والمؤسسات التابعة للجامعة نحو الأسرة الدولية، لما لهذه القوى من تأثير قوي ومؤثر في الأوساط الدولية، والتاكيد على اعتراف الأسرة الدولية بالحقوق الوطنية وضرورة اتخاذ خطوات عملية على هذا الصعيد، وهذا يمكن تحقيقه من خلال:
1. تحييد المواف الفلسطينية من التدخل في الشؤون العربية الداخلية وخاصة الأزمات التي أحدثتها حراكات الشعوب العربية وعلى وجه التحديد في سوريا ومصر.
2. تحييد التجاذات والاستقطابات الخليجية للقوى الفلسطينية المتنازعة وعلى وجه التحديد الإمارات والسعودية وقطر التي تحاول استغلال التجاذبات والتناقضات في الصف الوطني من خلال الأموال السياسية.
3. تحييد المال السياسي الإقليمي من التدخل بالشأن الفلسطيني الداخلي وعلى وجه التحديد التركي والإيراني وبعض بلدان الخليج.
4. تفعيل المشاركة الشعبية الفلسطينية في اتخاذ القرارات والمشاركة فيخا وحماية مقومات الشعب الفلسطيني وكذلك مشاركة مؤسسات وقوى المجتمع المدني.
بعد استعراض الحالة التفسيرية للخطاب وما جاء به يتبقى السؤال عن المستقبل وحراك الحالة الفلسطينية التي لا يتوقع بأي حال أن تشهد حراك قريب أو اتخاذ خطوات فاعلةعلى الأرضبل ربما نشهد ضغطًا متزايدًا من الولاياات المتحدة ألأمريكية و' إسرائيل' على السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس والإبقاء على حالة المماطلة والتسويف كما هي عليه في المستقبل القريب ، لأن الخطوات التنظيرية للخطاب على المستوى الخطابي تحتاج خطوات فعلية وصلة رحم بينهما بما أن صلة الرحم مقطوعة بينهما وبين شعبنا الفلسطيني.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012