أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


يوم في الذاكرة

بقلم : العقيد حسين المحارمه
04-10-2015 12:09 PM
في مثل هذا اليوم وقبل ( 45) عاما أيقظتني والدتي (عليها كل الرحمات من الله ) باكرا على غير العادة ، عندما مسحت عيناي وأنا أتثاءب رأيت وجهها محمّرا على غير عادته وعيناها تحبسان بعض دموع ، غادرت فراشي لأتفاجأ بوالدي رحمه الله وأحسن إليه وقد بدا أنه مستيقظا منذ فترة طويلة ، أعلمتني الوالدة أنّ ألماء ساخن لإستحمامي وطلبت مني قص أظافري ولم يكن شعر لحيتي قد نبت بعد ، ما أن أكملت ، وإذا بالإفطار جاهز وبحقيبة معدّة منذ ليلة أمس حاضرة ، إقترب مني والدي وقال كلمات ( أي بني ، أليوم ستذهب للإلتحاق بمدرسة الرجولة لتكمل مسيرة بدأتها أنا وأجدادك ، أوصيك أن تمّثل خلقك الذي ربيتك عليه وأن تكون خير سفير لي ولأهلك وعشيرتك ومدينتك ، ستتعب بالبداية ولكنك ستحقق ذاتك بالنهاية ، كن رجلا ) مدّ يده إلي موّدعا وإنحنيت لتقبيلها ، حاولت أن أتلاشى نظرات أمي فقد كان حنانها زائدا إلى درجة لا يمكن وصفها ، قبلت يد أمي بسرعة وخرجت ولسانها يلهج بكل أنواع الأدعية ، غادرت وتوجهت الى العبدلي حيث إستلمنا التجهيزات العسكرية وركبنا السيارات العسكرية لأول مرة بحياتنا وبدأنا نتعارف ومن ثمّ بدأنا بترديد بعض الأهازيج الوطنية متجهين الى مركز إستقبال المجندين الجدد ( 91 ) وهناك إستقبلنا رجال أشدّاء مفتولي العضلات يرتدون لباس الجنود الرائع المتناسق ، أمرونا أن نترّجل وبأصواتهم بعض الغلظة بالتعامل وما أن هبطنا حتى إصطففنا بشكل مجموعات ( طوابير ) وبدأنا ألركض حول الميدان الواسع مرّات ومرّات حتى شعرت أن لساني قد أوشك على اليباس وبدأ بعض الزملاء يتساقط ونحن لا نزال نركض ونركض إلى أن شعرنا أنها ألنهاية ، لحظات لن ننساها ، لحظات تعني إنتقالنا من حياة مدنية ناعمة إلى حياة عسكرية خشنة ، جرى تقسيمنا إلى مجموعات صغيرة وإتجهنا إلى الخيام حيث الأسّرة الحديدية والحياة التي تخلو من أي تسهيلات ، أمضينا اليوم الأول ركضا وإستلام تجهيزات وتعليمات وأوامر وعندما خلدنا إلى النوم بعد طول عناء شعرت أن عضلاتي لا تتحمل كل هذه الآلآم ، في صبيحة اليوم التالي ومع آذان الفجر وإذا بنفس الرجال الذين إستقبلونا يطرقون على خيامنا إنهض إنهض ، نهضنا مذعورين فالظلام لم يكمل إنسحابه بعد ، وبدأ أليوم الأول بالركض وتعلمنا نشيد الجندية الذي بدأنا بترديده يوميا :
دعوة ألحق لدينا .........نفحة هبت علينا
أرسل الله إلينا .......سيد ألخلق محمد
لا تحيدوا عن هداه ......لا تدينوا لسواه
وإستظلوا في حماه ......وإنهجوا نهج محمد
إنما ألإسلام قوة .....وجهاد وفتوة
وصفاء وأخوة ......وإقتداء بمحمد
حطموا ظلم الأعادي ......ها هو الأقصى ينادي
وإهتفوا في كل واد ......إننا جند محمد
كلمات تجعلتي أقارن بين ما كنا نهتف به يوميا وبين ما نسمعه حاليا من خوارج عصر لا يؤمنون بصفاء الإسلام ولا أخوته ولا يقتدون بسيد الخلق ولا بهديه
ذكريات مرّ بها كل من إنتسب الى مدرسة الرجولة والأخلاق ، رحم الله والداي ورحم الله كل من قضى من أبناء دورتي 11 كلية عسكرية عام 1970 وليحفظ الله الأحياء منهم وليمتعهم بالصحة والعافية والسعادة وجزى الله خيرا كل من درّبني أو علمني حرفا خلال مسيرتي العسكرية الطويلة وليدم علينا نعمة الأمن والأمان بظل قيادة هاشمية متزنة وحكيمة

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012