|
|
الوجه الآخر
بقلم : علي الجازي
07-10-2015 12:53 PM كنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان ' الأردن .. دولة مؤسسات أم دولة أشخاص ' أن هناك وجه آخر للدولة الأردنية لا يعلم بوجوده كثير من الأردنيين , ولو أنني - كباقي الأردنيين – كنت أتمنى أن لا يوجد هذا الوصف في هذا البلد الصغير الجميل إلا أنه ومع الأسف يوجد جانب مظلم يدير الدولة بجميع مؤسساتها وأجهزتها بطريقة بعيدة كل البعد عن آمال وطموحات الشعب الأردني الذي قدم ولأجيال كل ما يمكن تقديمه في سبيل بناء وتقدم وإزدهار بلاده . إن هذا الكلام على قسوته وصراحته ليس مجرد رأي أو حتى خيالات أوهرطقات سياسية مقدمة للإستهلاك الإعلامي السريع , وإنما هي حقيقة واقعية كان من حق الشعب معرفتها ومواجهتها قبل عقود كثيره , لكن وكما يُقال أن تبدأ متأخرا خيرٌ من أن لا تبدأ . إن الحجم والعمق لذلك الجانب المُظلم وصل الى حد التماثل والتطابق مع أجهزة ومؤسسات الدولة حتى أصبح يُشكل دولة عميقة تُشرف وتُسيِّر وتُدير الدولة بجميع أبعادها , ونظرا لهذا الحجم وذلك العمق فإننا سنتطرَّق في هذا المقال والمقالات التالية بإذن الله الى إستعراض ذلك الجانب من خلال توضيح عمل أجهزة ومؤسسات الدولة وعلاقتها بذلك الجانب المُظلم ومدى تأثير الدولة العميقة في إدارة تلك الأجهزة والمؤسسات , ولعل من أهم الأجهزة والمؤسسات التي تديرها الدولة العميقة ما يلي : - جهاز المخابرات العامة . - الجهاز القضائي . - الجهاز الإعلامي . - المؤسسة التشريعية . - المؤسسة التعليمية . - المؤسسة المالية . قد يقول البعض أن ما ذُكر من أجهزة ومؤسسات يدل على ضعف الرؤية وعلى إنتقائية عشوائية تدل على عدم فهم للتركيبة الحقيقية للدولة , لكن الحقيقة أن للدولة العميقة تركيبة مختلفة عن التركيبة التي أعرفها ويعرفها الشعب الاردني وهذه التركيبة تهيمن على التركيبة الظاهرية بل وعلى السلطات الأربعة التي تدير الدولة الأردنية الحديثة , وهذه التركيبة تعمل بطريقة تناغمية تصب بالنهاية في مصلحة مكونات مجتمعية تربطها شبكة من العلاقات الإجتماعية والمصلحية تسيطر بها على الآجهزة والمؤسسات التي تشكل الوجه الآخر و المُظلم للدولة الأردنية . الوجه الآخر لجهاز المخابرات العامة من المُفترض أن يتبع جهاز المخابرات – كباقي الأجهزة الأمنية – لوزارة الداخلية التي تتبع بدورها لرئاسة الوزراء وبذلك يكون وصف هذا الجهاز و تحديد مهامه وصلاحياته بيد صاحب الولاية العامة والذي بدوره يعمل تحت إشراف ومتابعة السلطة الأعلى ' السلطة التشريعية ' إذا ووفقا للدستور فإن السلطة التشريعية المُمثلة للشعب هي صاحبة اليد العليا المالكة لحق المتابعة والمحاسبة والتوجيه للحكومة وما يتبع لها من أجهزة , بما في ذلك جهاز المخابرات العامة هذا هو الوضع الطبيعي لكن السؤال هل هذا هو الواقع فعلا أم أن هناك وجه آخر لهذا الجهاز ؟ الحقيقة أن جهاز المخابرات يديره مجموعة من الاشخاص المنتمين لمكونات مجتمعية معروفة , كل شخص يدير مجموعة مجموعة من الضباط المنتمين للمكوِّن الأكبر لذلك الجهاز وهو المكوِّن العشائري , وهؤلاء الضباط ليسو أصحاب قرار حقيقي وإنما هم واجهة تنفيذية لقرارات وتوجيهات أولئك الأشخاص , ولعل السلطة الخيالية التي يتمتع بها هؤلاء الضباط جعلت أفراد الجهاز والشعب الأردني يعتقدون بأنهم هم أصحاب القرار الحقيقيين لذلك الجهاز . ويقسم القرار بجهاز المخابرات على مجموعة دوائر يترأسها الاشخاص السابق ذكرهم , وهذه الدوائر يمتد نفوذها من التدخل بالحياة اليومية للمواطن البسيط ويصل الى التدخل بالقرار السياسي والأمني للعديد من الدول القريبة والبعيدة جغرافيا من الاردن , ويتغلل ذلك النفوذ في أجهزة ومؤسسات الدولة بطريقة تُمكن مجموعة صغيرة من الأشخاص من التدخل بأبسط القرارات وأخطرها على حد سواء . فالحاكم الإداري الفعلي بالمحافظة هو مدير مكتب المخابرات لتلك المحافظة , وصاحب القرار الإستثماري هو مدير الدائرة المعنية بشؤون المستثمرين بجهاز المخابرات , فهو صاحب القرار النهائي بقبول أو رفض الإستثمار بالبلاد , كما أن هذا الجهاز هو من يملك قرار التعيين بالوزارات والهيئات المهمة بحجة الموافقة الأمنية وشهادة حًسن السيرة والسلوك – الغير معروف سقفها أو شروطها أو حتى آلية إصدارها – والتي يمكن تعريفها ببساطة أن المواطن الخامل الغير نشيط سياسيا أوالذي يملك فيتامين ( واو ) هو مواطن حسن السيرة والسلوك حسب جهاز المخابرات العامة , هذه الصلاحيات ترتب عليها نفوذ كبير للجهاز في تشكيل وتسيير الكثير من المشاريع والمؤسسات العامة والخاصة أدت الى تسرب الفساد المالي والإداري الى أهم مراكزه . ولعل خير دليل على ذلك قضايا الفساد التي تورط بها مدراء سابقون لهذا الجهاز والتي كانت بمجملها تشير الى الإستخدام الخاطئ للسلطة والتدخل السافر في القرار الإقتصادي والتنموي بالبلاد ولم تكن تلك القضايا سوى قمة جبل الجليد الذي لا يُرى منه سوى القليل . أما السياسة فهي تحت وصاية ذلك الجهاز منذ عقود وكانت ولا تزال توجه حسب مصالح تلك الشبكة , فمن الملاحقات والإعتقالات بالسبعينات والثمانينات الى التزوير والتشويه بالتسعينات , وأخيرا الإدعاء بالتعيين المباشر بمجلس النواب بالسنوات القليلة الماضية , كل ذلك كان يًثبت تجاوز هذا الجهاز لدوره وحجمه المنصوص عليه بالدستور ويُثبت أيضا ممانعة هذا الجهاز لعملية التحول الديمقراطي المنشودة . وأما على المستوى الخارجي لم يعد سرا دور هذا الجهاز في الكثير الكثير من الملفات الإقليمية المشبوهة والتي كان لها تأثير مباشر على حياة المواطن الأردني , فمن بيشاور الى غروزني الى بغداد الى الرقه , ومن غزه الى القاهره الى باب العزيزية الى طبرق , ومن دبي الى الرياض الى المنامة , يبرز دور المخابرات الاردنية كأهم اللاعبين في تلك المناطق وغيرها من المناطق . إن الوصف الحقيقي لهذا الجهازهو أنه جهاز 'أخطبوطي' تديره مجموعة من الأشخاص بعقلية الدولة الديكتاتورية على الصعيد الداخلي وهو كذلك جهاز' شبح ' له العديد من الأذرع والأوراق والأدوات على المستوى الخارجي . وهذا الجهاز بحاجة الى وقفه وطنيه تُعيد له وجهه الطبيعي وتُخلصه من تلك الزمره التي تعتقد بأن الزمن يمكن إعادته للوراء ويمكن الإستمرار بالسيطره على هذا الجهاز الذي هو موجود لخدمة الإردنيين بجميع أطيافهم وإنتماءاتهم الفكرية والثقافية وليس لتخويفهم أو تخوينهم أو الوصاية عليهم . بقي أن نقول أن هذه مُجرد بقعة ضوء صغيره تُضاء على جانب مُظلم صغير للوجه الحقيقي للدولة الأردنية ولعل الأيام القادمة يكون فيها المزيد من الضوء على المزيد من الجوانب المُظلمة .
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
|
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012
|
|