أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


علاء الفزاع يكتب : الأردن والتطورات السورية: "الحجر بمكانه قنطار"

بقلم : علاء الفزاع
11-10-2015 02:30 PM


في لعبة الشطرنج وفي لعبة الدامة يصل اللاعب أحياناً إلى موقف يتمنى فيه لو يتمكن من تمرير دوره إلى اللاعب الآخر دون أن يحرّك أية قطعة، لأن تحريكها سيتسبب بخسارة الدور بأكمله. ينطبق هذا في السياسة كذلك، وخصوصاً عندما تكون الساحة مليئة بالألغام والانعطافات غير المرئية والمفاجآت التي تقفز من هنا وهناك. وينطبق هذا أكثر وأكثر على الساحة السورية التي شهدت تقلبات سيسجلها التاريخ، حيث تعاقبت دولتان عظميان، أمريكا وروسيا، على التدخل المباشر وغير المباشر، وتدخلت دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى اللاعبين الإقليميين المختلفين، فيما تتقاتل على الأرض السورية مئات التنظيمات المتنافسة وبمشاركة عشرات-وربما مئات- الآلاف من المقاتلين غير السوريين على طرفي القتال.

هنا تبدو الحكمة في الابتعاد بدهية للحفاظ على الأردن من تداعيات ما يجري في الساحة شمالي الأردن، سوريا سابقاً، والتي لا يعرف أحد مطلقاً كيف سيبدو وجهها بعد عدة أعوام، باستثناء أنه أصبح من المؤكد أنها ستصم سوريين أقل بكثير. المصلحة الأردنية الكبرى الواقعية في مثل هذه الظروف هي في النأي بالنفس والاكتفاء بالمحافظة على حدوده الشمالية آمنة، ويأتي ذلك في أفضل صوره بوجود الجيش النظامي السوري.

طيلة الأزمة كنا نوجه الانتقادات إلى السياسة الأردنية التي تسمح بمرور السلاح والمقاتلين عبر الحدود، وهي انتقادات ثبت صحتها اليوم مع تنامي خطر الجماعات الجهادية التي وإن جاءت نتيجة لقمع النظام إلا أنه تأكد أن بعضاً من قوتها نتج عن فتح الحدود التركية والأردنية، وبالطبع انفلات الحدود العراقية، بل واستفادت من معدات وأسلحة أمريكية تم تمريرها للمعارضة (المعتدلة) عبر تركيا والأردن. ولكن كانت السياسة الرسمية الأردنية ـ وبالذات المستوى العسكري في صناعة القرار، تحافظ على سقف معين من انفتاح الحدود، يرتفع أو ينخفض بناء على الضغوط الخليجية التي كانت على الدوام تريد جبهة جنوبية مفتوحة. ولكن ذلك السقف لم يصل أبداً إلى حد التورط المباشر أو الوصول إلى مرحلة فلتان تام، ربما باستثناء المحاولة الفاشلة للسيطرة على درعا في عاصفة الجنوب والتي تورط فيها الأردن أكثر بكثير من اللازم، ولحسن حظه فشلت.

الروس دخلوا المنطقة بقوة عاصفة وبأسلوب درامي وبدؤوا بالقصف من اليوم الأول، وأخذ تدخلهم زخماً إعلامياً وسياسياً كبيراً دفع بالكثير من المراقبين إلى انتظار نتائج عسكرية وشيكة، خصوصاً بعد فشل مشاريع كل القوى التي تدخلت في سوريا على امتداد عمر الأزمة ووصول تلك المشاريع إلى نتائج كارثية. لكن دول المنطقة واللاعبين المختلفين في الأزمة تمالكوا أنفسهم سريعاً من المفاجأة الروسية، وأخذوا في صياغة مواقفهم. حتى اللحظة ومن قراءة الردود الأولية الواردة من الخليج ومن القوى السورية المرتبطة بالخليج من غير المستبعد أن تقرر السعودية أن تمضي في سيناريو الحرب المديدة في سوريا وتخوض حرب استنزاف للروس في سوريا، على غرار التجربة الأفغانية، وأن تدعم تدفق الجهاديين من كافة أنحاء العالم، وهم -أي الجهاديين- قد بدأوا بالفعل في توعد الروس. من ناحية أخرى فإن الانقسام الأوروبي واضح إزاء ما يجري في سوريا، والأمريكان تتضارب تصريحاتهم بين يوم وآخر، أما تركيا فتبدو أقرب للتهدئة مع روسيا بحكم المصالح الكبيرة المشتركة، وخصوصاً في مجال الطاقة. وهكذا فإن أي توجه سعودي للتصعيد قد يكون معزولاً.

السعودية تخاطر بالصدام مع الروس في سوريا، فهي مكشوفة كلياً في اليمن، وإذا قرر الروس تسليح الحوثيين فإنهم سيؤلمون الرياض كثيراً، وهي أصلاً تعاني من آثار الحرب التي كان من المقرر لها أن تكون حرب تأديب تجبر الحوثيين على العودة للتفاوض ولكنها تطورت إلى حرب تدمير واسعة أوقعت خسائر مؤلمة في كل الأطراف وسقط فيها الكثير من المدنيين إلى حد توجيه انتقادات دولية حادة لغارات التحالف العربي، فيما اتضح أن القوى التي ساعدت في السيطرة على عدن بعضها معاد للسعودية وللإمارات، سواء من الحراك الجنوبي أو من القاعدة أو من داعش. يتصادف ذلك مع معاناة الاقتصاد السعودي بشدة من آثار هبوط أسعار النفط، مع أن السعودية ذاتها كانت أحد مدبري ذلك الانخفاض للضغط على روسيا.

ولكن الروس ليسوا أفضل حالاً من السعودية. سوريا ليست القرم ولا صربيا ولا شرق أوكرانيا. في شرق أوكرانيا استقدمت روسيا مئات المقاتلين القوقاز من الشيشان وغيرها للمشاركة في حملتها هناك، ولكن الشيشان والقوقاز الذين ستواجههم في سوريا من الخندق الآخر المعادي، خندق المقاتلين الذين لا يستطيعون اختراق الجبهة الداخلية الروسية، فيما يمكنهم على مهل تدبير هجمات على الروس في سوريا حيث أن الروس مكشوفون أكثر بكثير مما هم عليه في روسيا أو في شرق أوكرانيا. الروس قد يكتشفون سريعاً أن القوات الجوية غير كافية، وأن تحجيم داعش وجيش الفتح وباقي المليشيات يحتاج إلى قوات برية أكبر مما هو متوفر للجيش النظامي السوري، فهل تلجأ روسيا إلى التورط وإرسال قوات برية بما يعنيه ذلك من كلف مادية وبشرية، خصوصاً في ظل تراجع الوضع الاقتصادي الروسي بفعل العقوبات الغربية؟

الاحتمالات مفتوحة، ولكن إذا لم تتمكن قوات النظام السوري من تحقيق انتصارات كبيرة خلال الفترة القصيرة المقبلة فإن زخم التدخل الروسي سيضيع، وستصبح السيناريوهات أصعب. ورغم أن الهجوم الحالي لقوات النظام يتركز على سهل الغاب والاستيلاء على قرية هنا وقرية هناك إلا أن ذلك لا يعني شيئاً مقارنة مع الكلف السياسية للتدخل الروسي. كما ينبغي ملاحظة أن فشل قوات النظام في استعادة مدينة إدلب قبل نهاية العام سيعني أن الأمور ستطول كثيراً دون تدخل بري روسي كبير بحجم عشرات آلاف المقاتلين. والواقع أن إحدى قراءات التدخل الروسي -إذا بقي بهذا الحجم- تتوصل إلى أنه وسيلة لضمان منطقة آمنة في دمشق وغرب سوريا والتسليم بخسارة باقي الأراضي السورية وتركها لمصيرها.

الأردن إذاً ليس معنياً بالانخراط في الجهود السعودية المحتملة للتصعيد في سوريا، لأن تلك الجهود إن نجحت في هزيمة الروس والنظام فستفضي إلى جلب جيران جدد إلى حدودنا، جيران من نوعية داعش على الأرجح، أو على الأقل من نوعية جبهة النصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح، وجميعها لا تختلف عن داعش إلا في التكتيك، وهو ما يمكن اكتشافه بمجرد قراءة المساجلات النقدية بين قادة داعش والنصرة. والأردن ليس معنياً كذلك بالانخراط في الجهود الروسية، فرغم أن الروس كانوا الأكثر حكمة ودقة في الأزمة الروسية إلا أن استراتيجيتهم ليست واضحة اليوم بالقدر الذي كانت عليه في اليوم الأول للتدخل. واحتمالات فشل تدخلهم ووصولهم إلى حائط مسدود هي احتمالات عالية إذا لم ينجحوا في كسب حلفاء عالميين وإقليميين. وعلى كل الجهات فالأردن ليس مجبراً على المراهنة على أي حصان لأن تلك المراهنة تعني المخاطرة بالأمن الوطني.

للأردن مصلحة حقيقية في نجاح الروس في سوريا، من ناحية تحجيم القوى الإرهابية التي لا قبل لأية قوة إقليمية منفردة بهزيمتها، ومن ناحية أن الوجود الروسي سيشكل ضمانة لإجبار النظام السوري في مرحلة ما على تقديم ما يلزم من التنازلات لإنجاز تسوية. عدا عن أن الوجود الروسي يتضمن إقراراً بفشل الإيرانيين في سوريا. ولكن من الأفضل للأردن أن ينتظر بلا أية حركة تتسبب في خسارة اللعبة كاملة، وأن يظل هادئاً ويراقب ما يقوم به الروس والسعوديون والأمريكان، وكيف ستتطور الأمور على الأرض في سهل الغاب وإدلب وربما في حلب وجبهة الجنوب، وفي مرحلة ما لاحقة، وضمن أية تسوية، لا يمكن لأحد تخطي الأردن، لأنه وببساطة 'الحجر بمكانه ووقته قنطار'.

التعليقات

1) تعليق بواسطة :
11-10-2015 02:43 PM

لو كان النأي بالنفس وعدم التدخل بالاخر يحمي الدول من من خطط ومصالح ومطامع الكبار لما وجدت اخي الكاتب دولة ضعيفة في خطر . الاساس في حفظ الدول أن تشكل الدوله أمه ليكون شعبها موحد خلف قيادته وهذا له أسسه غير الموجودة في دولنا غير الديمقراطيه . والروس عزيزي ليست غايتهم محاربة الارهاب الا بقد ما يحقق ذلكمصالحهم التي تكون على حساب الدول الامنه

2) تعليق بواسطة :
11-10-2015 03:03 PM

ولكن نحن تدخلنا بشأن السوري وبشكل سافر من اول يوم بالمؤامرة على سوريا وشاركنا بسفك دماء الجيش السوري وشرفاء سوريا بدعمنا عصابات النصرة والجيش الحر وخون سوريا وقمنا بجلب عائرت الارهابيين وجرحى الارهابيين عولجوا بالاردن وشاركنا بكل مؤتمراء اعداء سوريا واقمنا غرفة العمليات موك ارهابيين اسلحة تدريب كل ما يخطر على البال كنا ندخله الى سوريا ..في النهاية في فاتورة سندفعها من سيدقعها الدولة ام المواطن هذا غير معروف ولكن المؤكد انه انتقام بشار سيكون من الدولة وليس من المواطن لمعرفته انه مغلوب على امره .

3) تعليق بواسطة :
11-10-2015 03:18 PM

يا عزيزي الروس لم يتدخلوا لتحجيم القوى اﻻرهابية مثل داعش اﻻ اذا كنت تعتبر كل من يعارض اﻻسد هو ارهابي وعلى العموم كل اﻻماكن التي تدخل بها الروس كانت وباﻻ عليهم وسوريا ليست استثناء

4) تعليق بواسطة :
11-10-2015 08:18 PM

تحليلات واحتمالات عديدة عرضها الكاتب المتمرس في مقالة جديرة بالقراءة وإعادة القراءة ولكن ما بات في حكم المؤكد ان الروس لن يهزموا كليا فأما أن يربحوا المعركة بأكملها وإما النصف الأهم ويشكلوا دولة قوية في الساحل وما تبقى من مدن مدمرة لا اسف عليها وهي ستكون ميدان لقتال الفصائل المتناحرة وتخدم الأتجاه العالمي للتخلص من مزيد من الأرهابيين من حول العالم , هذا السيناريو ليس في صالح الأردن الذي يمكن ان يمنع تسلل الأرهابيين فيبقى الحسم من جهة البوابة الشمالية في يد تركيا التي سوف تعيد التفكير في موقفها .

5) تعليق بواسطة :
11-10-2015 08:28 PM

تدخل الروس كان ارتجاليا وغير مخطط له, وكانوا في سباق مع الزمن ليسبقوا تدخلا سعوديا, وستبدي لك الايام ماكان خافيا

6) تعليق بواسطة :
11-10-2015 10:09 PM

تحليل كبير تعرض لعدة محاور , لا مس حقيقة الوضع السوري بكل دقة , ولم يصطف لجانب احد , وليس ترويجا لقوة ما , بل قول أردني هريص على الأردن وأهلها , فالأردن دول ضعيفة شحة الموارد , غارقة باللاجئين , تعاني من عجز مالي ومائي رهيب , تصرفاتنا سابقا كانت قائمة على نجاح المعارضة ولكن ثبت الان أن هناك 60 فصيلا يقاتلون النظام حتى كاد يستسلم , التدخل الروسي كان جديرا بالنظر اليه بجديه ....
شكر استاذ علاء , كفيت ووفيت

7) تعليق بواسطة :
12-10-2015 07:26 AM

تحليل معقول وفيه عضات ،فالامور مختلطه حتى الساعه وليس بالبساطه معرفة لمن تكون الغلبه ، مصالحنا هي أولوياتنا ، التريث بحذر هو المطلوب الان ، الخلايا النائمه إن وجدت ، هي الان تتربص بنا ، وينتظرون بفارغ الصبر أية ردود أفعال من قبلنا لا ترضيهم ، قبحهم الله ،يبقى أن وجهة نظر الكاتب تستحق أن يأخذ بها .

8) تعليق بواسطة :
16-10-2015 08:05 AM

من بداية اﻻزمة وانت اعلم استاذنا نبهنا وقلنا ان التدخل بالشان السوري سيجلب الوبال للوطن ارض وهوية فهو مشروع ﻻناقة وﻻ جمل لنا به .
اشكرك اخي عﻻء لقرائتكم الرائعة وكم نحن بحاجة للكتاب الوطنيين الغيارا امثالكم اعادك الله للوطن سالما

9) تعليق بواسطة :
16-10-2015 06:55 PM

الاردن له وزنه وثقله في المنطقة والازمة السورية والابتعاد والحياد في هكذا توقيت هو انتحار عسكري .
نظام الاسد وداعش والارهاب عموما وجوه لعمله واحده .
وجود روسيا بسوريا مصلحة اردنية عليا ويجب دعمه لدحر داعش الارهابية .
مقال عميق وتوقيته جيد

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012