أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


سايكولوجيا القطيع

بقلم : طه عبدالوالي الشوابكه
13-10-2015 12:11 PM
لعل حادثة بسيطة أو جملة من الحوادث التي تحدث بين الفينة والأخرى تحفزنا إلى محاولة الوقوف بتأمل على نمطية التفكير والحالة النفسية التي باتت سمة من سمات سكان هذا الجزء من العالم في الأردن على وجه التحديد.
هبّات وفزعات جماعية, أصوات وضجيج وجلبة تصدر من جميع الأرجاء كأنها دوي انفجار في محجر, طابعها العام تمزيق الوثائق والمستندات وخلط الأوراق, وبعثرة أنماط التفكير المخالفة للرتم العام بغية التجييش والتحشيد لصالح الفكرة الرئيسة المتمثلة في جلد الذات.
لم أر ولم اسمع عن أي شعب في الدنيا حتى اللحظة يتفق - بكبسة زر - على جلد ذاته وسحق تاريخه وتدمير ميراثه إلا هذا الشعب فوق جزء بسيط من العالم لا يكلفك تحديد مكانه على الخريطة إلا بإشارة من رأس الدبوس, أما الجعجعة والاضطراب فإنهما يفوقان حاصل الكينونة الانطولوجية, وكأن هذه المجاميع حولت قول الشاعر من ( إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام) إلى غير مقصده ليصبح (إذا كانت النفوس حَبَالى ضجّت من زحيرها الأكوان).
إن حادثة كحادثة الشوابكة (ولست هنا بمن يتعمد اقتراف سلوك الشخصنة للأمور كوني انتهي اسما بلاحقة من مفردة الشوابكه وإنما الصدفة هي التي جعلت الأمور على هذه الصيرورة), أقول إن حادثة الشوابكة دللت بالقطع الذي لا يقبل التأويل أو الظن بان الشعب الأردني لا يجمعه جامع إلا جامع الردة والنكوص على ميراثه في محاولة لتغييبه ورجمه ثم ردمه في مدافن التاريخ.
مع بدء الحادثة ( واقعة العقبة الكبرى), اجمع الجميع من عرب عاربة ومستعربة على أن المعتدين جناة مجرمون, لا يرعوون إلّاً ولا ذمة في العهود والمواثيق والعادات, كفّروهم وقد صبأوا عن دينهم وديدنهم حتى ضاقت المجالس ذرعا والمواقع الالكترونية والورقية والإعلامية عجزت عن لملمة الموضوع الذي فاض على الجنبات كأنه عوادم منهل سرق الأشقياء غطاءه أو زوائد بالوعة شرق عمانية من تبعات الأمانة الكبرى.
انصاع المعتدون قسرا إلى الصوت والنداء الجمعي لبني وطنهم وفهموا زورا أنهم على خطأ لان المثل يقول (اثنان لو قالوا لك أين راسك؟ تحسسه) أي صدقهم انك تسير بلا راس ولا تجادل.
ها هم المعتدون (الشوابكه) لم يجادلوا, افرنقعوا واشمعلوا يبحثون في كل زوايا العقبة الفسيفسائية (من كل روض زهرة) (الاقتصادية الحرة) عن وجهاء يلملمون تداعيات الموضوع الجلل, وكان ما كان ( بهمة الخيرين من اهل العقبة وخارجها) من صلح وبروتوكول أردني (سياحي) بامتياز تقمصه الإخوة المصريون بامتياز أيضا, لقد فوجئنا كثيرا بقدرة الأشقاء المصريين على التعامل مع هكذا حوادث, فسفارتهم وقنصليتهم العقباوية تزخر – ولله الحمد - بقضاة من مختلف صنوف الاعتداءات من ( منقع الدم, إلى قاضي العرض والقلطة, وتقطيع الوجه) ولا بديل لديهم عن تنفيذ خيارهم القاضي بانتخاب (ثلاثة من خشم تسعة), وإذ بنا (كأردنيين) تلاميذ أغرار في حضرة أساطين مصرية وأخرى (متبرعة) تمصورت للتنظير في صنوف القضوات والجاهات وكفلاء الدفا والوفا وما يتخلل ذلك من عطوات الإقبال والاعتراف وفراش العطوة وأية التزامات.
اليوم انقلبت الحكاية رأسا على عقب, انقلب الشعب من مناصر للغرباء إلى معنفين وزاجرين ومؤنبين ومحرضين على عدم الاستمرار في التنازل للغريب بأكثر مما كان, البعض يدعو إلى سحب اليد من أي التزام صدع له النائب وأشقاؤه وآراء كثيرة تدعو إلى تسفير كل الوافدين...... الخ.
حالة الفصام هذه تذكرني بما نراه مرارا وتكرارا من حركة القطعان (وفق غوستاف لوبون | سايكولوجية الجماهير) التي تدب على اليابسة في عرض السهول والجبال والأودية تتمايل كما تميل المياه في الأوعية المتحركة, ينزاحون كتلة واحدة للامام والى الخلف كما تزاح أرتال الخراف المحملة في حاوية شحن كبيرة متوجهة إلى مسلخ عمان وقد داس سائقها على الفرامل فجأة, يتمايلون تارة نحو اليمين وتارة نحو الشمال بحسب حركة السير والسيارة, متوحدون في ميلهم هذا بلا أي إرادة أو مقاومة.
المقاربة في المشهد الذي طغى على حديث المجتمع بأسره طيلة عشرة أيام تدعونا إلى تفسير ردة الفعل تجاه كل الحوادث ولعل أبرزها الحوادث الجارية من حولنا, نميل كتلة واحدة نحو الشجب والاستنكار والسخط, ثم نتراجع كتلة واحدة نحو سحب اليد والعودة إلى الانغماس في متطلبات الاستهلاك الآدمي, نجتر الحديث ونستفز الألم والحزن من مآقينا بلا فائدة فالدموع نضبت منذ زمن والعيون جفت, والقلوب قست وتحجرت, فلا أنين ولا دموع.
هي إذا بالفعل سايكولوجية القطعان في حركتها اليومية, تميل وفق ميل اصغر الخراف ميمنة وميسرة, تلهث وفق حركة (القرقاع) المعلق برقبة (وسائل الإعلام) بلا تدبر أو تفكير, وحيث الحال على هذا المنوال فهي إشارات تنبئنا بأنه لا جامع يجمعنا سوى الردة والنكوص على كل شيء جميل تركه لنا الأولون يوم كان يجمعنا ويلم شعثنا كلما زمجرت الريح ودعا الداعي: حي على الوطن.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012