أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
شريط الاخبار
بحث
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


هل تسبب مادة "غلوتامات أحادية الصوديوم" في الطعام ضرراً جسيماً لصحتنا؟

22-11-2015 12:57 AM
كل الاردن -
يُنحى على مادة «غلوتامات أحادية الصوديوم» باللائمة في حدوث العديد من الأعراض الجانبية المزعجة. ولكن هل من أدلة تعزز صحة ما يُقال في هذا الشأن؟
عادة ما يُطلق اسم «متلازمة المطعم الصيني»، على مجموعة أعراض - مثل الصداع والغثيان والإحساس الغريب بالخدر – يعاني منها أناسٌ بعينهم على ما يبدو، بعد تناولهم وجبة من الأطعمة الصينية.
وتتجاوز هذه الأعراض ذاك الإحساس المعتاد بالغثيان والاشمئزاز؛ اللذين ينتابان المرء عندما يتناول كمية مُبالغاً فيها من اللحم المشوي، على سبيل المثال.
وتُوجه أصابع الاتهام في حدوث تلك الأعراض إلى نوع شائع الاستخدام من التوابل يحمل اسم «غلوتومات أحادية الصوديوم»، ويُعرف اختصارا باسم «إم إس جي».
وقد بدأ الصيت السيء لهذا المركب في الذيوع عام 1968، حينما كتب «هو مان كواك» رسالة إلى مطبوعة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن»، بحث فيها بالتفصيل الأسباب المحتملة لحدوث متلازمة من الأعراض التي تنتابه كلما تناول طعامه في أحد المطاعم الصينية بالولايات المتحدة.
وصف «كواك» - على وجه الخصوص - إحساسا بالخدر يصيبه أولاً في رقبته من الخلف، قبل أن يمتد إلى ذراعيه وظهره، وذلك فضلا عما يصيبه من الشعور بضعف عام، يتزامن مع خفقان للقلب.
في بادئ الأمر، تكهن الرجل بأن السبب قد يتمثل في استخدام صلصة فول الصويا، لكنه نبذ هذه الفرضية بعدما استخدم تلك المادة في الطهي في منزله، دون أن يؤدي ذلك إلى معاناته من الأعراض نفسها.
كما فكر في أن ما يعاني منه يُعزى إلى إكثار المطاعم في استخدام نبيذ الطهي الصيني. في نهاية المطاف، جاء الخطأ الفادح، حينما أشار كواك إلى إمكانية أن يكون السبب هو إضافة ملح «غلوتومات أحادية الصوديوم»، كأحد أنواع التوابل الشائعة في المطاعم الصينية.
وعلى خلاف ما يحدث عادة مع النظريات الصحية المتعلقة بالتغذية، انتشر ما خلص إليه كواك انتشارا هائلا، وانبثق عنه عدد هائل من الكتب والدراسات العلمية التي تكشف «الحقيقة» بشأن تلك المادة الكيمياوية.
وشمل ذلك كتبا للطهي تتخذ موقفا مناوئا لاستخدام تلك المادة فيه، بل إن الأمر دفع المطاعم الصينية لنشر إعلانات تقول فيها إنها لا تستخدم مادة «إم إس جي» في الطهي.
ويُشار إلى أن الـ»غلوتامات أحادية الصوديوم»، هي ملح الصوديوم الأحادي لحمض الغلوتاميك. وإذا ما أردت حقا إبهار شخصٍ ما قابلته في حفل عشاء فلتخبره بالاسم العلمي لهذه المادة، وهو «ثنائي الصوديوم 2-أمينو بينتنادياوايت».
وفي عام 1908، اكتشف كيكوناي ايكيدا، أستاذ الكيمياء بجامعة طوكيو أن تلك المادة هي أكثر الأملاح المشتقة من حمض «الغلوتاميك» استقرارا، كما أنه أفضلها فيما يتعلق بمنح الطعام مذاقا خاصا ومحددا يسعى إليه الكثيرون ولا يجدونه سوى بمشقة.
ويرتبط ذلك المذاق الخاص الذي يحمل اسم «أومامي»، والذي يعني «الشهي المالح الطعم»، بمذاق اللحم. ويمثل ذاك المذاق المتفرد اكتشافا يُنسب كذلك لـ»إيكيدا»، الذي كان قد سعى لاكتشاف هذا الطعم تحديدا، إيمانا منه بأن النكهات والمذاقات لا تقتصر فقط على تلك الأربع الأساسية؛ الحلو – المالح – الحامض – المر.
ويشكل الغلوتامات المكون السحري لمادة «إم إس جي»، إذ أنه عبارة عن حمض أميني شائع، يُفرز بشكل طبيعي في طائفة واسعة من المواد الغذائية؛ بما في ذلك الطماطم، الجبن الحريف المعروف باسم «البارما» أو «البارميزان»، فطر عيش الغراب المجفف، وصلصة فول الصويا، ومجموعة من الفواكه والخضروات، فضلا عن حليب «لبن» الأم.
وقد عزل إيكيدا هذه المادة من نوع من الأعشاب البحرية بني اللون كبير الحجم يُعرف باسم «كيلب»، كانت تستخدمه زوجته وقتذاك، مثلها مثل كل ياباني أخر تقريبا يمارس الطهي على ظهر هذا الكوكب، لإعداد «مرق داسي»، الذي لا يخلو منه أيٌ من ألوان الطعام المتوافرة في المطبخ الياباني.
وبإضافة الصوديوم، وهو أحد عنصرين يشكلان ملح الطعام، إلى هذا الحمض الأميني، يتحول الغلوتامات إلى مركب مستقر في صورة مسحوق يمكن إضافته إلى الطعام، وهو ما أعطانا مادة «غلوتامات أحادية الصوديوم» وجعل من كيكوناي إيكيدا رجلا ثريا للغاية، فقد أصبح نوع التوابل الذي ابتكره، تحت اسم «اجينيموتو» (خلاصة النكهة)، والذي يعتمد في الأساس على هذه المادة الكيمياوية، موجودا على العديد من طاولات الطعام في مختلف أنحاء العالم.
وبالعودة لرسالة د. كواك لمطبوعة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن»، فسنجد أن الفترة التالية لنشر تلك الرسالة، شهدت إجراء وابل من التجارب التي جرى خلالها تعريض كائنات حية متنوعة، من بينها البشر، لجرعات كبيرة من «غلوتامات أحادية الصوديوم»، سواء من خلال الفم أو عبر الحقن في الوريد.
في بادئ الأمر، بدا أن كواك ربما يكون على حق فيما يتعلق بقوله إن ثمة شيئا ما ضارا في هذه المادة. فقد اكتشف د. جون دبليو أولني، الباحث بجامعة واشنطن أن حقن جرعات كبيرة للغاية منها تحت جلد الفئران حديثة الولادة يؤدي لظهور رقع من الجلد الميت في المخ لديها.
وعندما وصلت هذه الفئران إلى طور البلوغ باتت تعاني من التقزم والسمنة، وكذلك العقم في بعض الحالات.
وكرر أولني هذه التجربة على قردة رضع تعيش في شمال الهند تنتمي لنوع يُدعى «مكاك ريسوسي».
وأعطى الباحث هذه القردة مادة الـ»إم إس جي» في صورة شراب يُتناول عبر الفم، ليشير في نهاية المطاف إلى أن ما حدث مع الفئران تكرر مع القردة. لكن 19 دراسة أخرى، أجريت على القردة من جانب باحثين آخرين، لم تُظهِر نتائج مماثلة ولا حتى مشابهة.
في السياق ذاته، لم تخرج التجارب التي أجريت على البشر بأي أدلة قاطعة تثبت وجود آثار سلبية لمادة «غلوتامات أحادية الصوديوم». وفي إحدى هذه التجارب، قُسّمت عينة البحث المؤلفة من 71 شخصا من الأصحاء تماما إلى مجموعتين أعطيتا كبسولات؛ تحتوي بعضها على جرعات متزايدة من هذا المركب الكيمياوي بينما تحتوي الأخرى على مادة وهمية يُفترض أنها الـ»إم إس جي».
وكشف الباحثون أن أعراض ما يُعرف بـ»متلازمة المطعم الصيني» انتابت أفراد المجموعتين بنفس المعدل تقريبا، بغض النظر عما إذا كان قد تم إعطاء عينة البحث «غلوتامات أحادية الصوديوم» أو مادة وهمية «بلاسيبو». وظلت نفس النتائج قائمة حتى بعدما تم تبديل الأدوار، وأُعطيت كل مجموعة المادة التي كانت تُمنح للأخرى.
وفي عام 1995، وفي مسعى لإيجاد نهاية لهذا الجدل، كلفت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة اتحاد الجمعيات المعنية بعلم الأحياء التجريبي ببحث كافة الأدلة المتاحة حول ذلك الملف، وتحديد ما إذا كانت مادة الـ»إم إس جي»، تشكل ذاك الشيطان الغذائي الذي جعله البعض كذلك.
في البداية، رفضت لجنة الخبراء استخدام مصطلح «متلازمة المطعم الصيني» باعتبارها «ذات طابع تحقيري، ولا تعكس نطاق الأعراض (التي يجري الحديث عنها) أو طبيعتها». واستعاضت اللجنة عن ذلك بمصطلح «مجموعة الأعراض المرتبطة بمادة إم إس جي» لوصف الاعراض المتعددة والمتنوعة، المرتبطة بتناول مادة «غلوتامات أحادية الصوديوم».
لكن الخبراء المشاركين في هذه المهمة خلصوا إلى أن هناك أدلة علمية كافية تشير إلى أن هناك من بين عموم السكان مجموعة فرعية من الأصحاء ممن قد يتفاعلوا على نحو سلبي مع تناول جرعات كبيرة من الـ»إم إس جي»، وذلك خلال ساعة عادة من التعرض لهذه المادة.
غير أن التفاعلات السلبية تلك رُصِدت في دراسات أُعطي أفراد عينة البحث فيها ثلاثة غرامات أو أكثر من تلك المادة الكيمياوية مُذابةً في الماء، دون أن تكون مُضافة إلى طعام، وهو سيناريو من المستبعد حدوثه في الحياة العادية، التي لا يتناول غالبية الناس فيها – حسبما تقول إدارة الغذاء والدواء الأمريكية – سوى قرابة 0.55 من الغرامات من الـ»إم إس جي» يوميا، مُضافة إلى وجباتهم الغذائية.
وفي عام 2000، سعت دراسة أخرى إلى كشف المزيد في هذا الشأن، من خلال اختبار 130 شخصا قالوا إن لديهم حساسية ما للتعرض لمادة «إم إس جي». وفي البداية، مُنح هؤلاء – وهم أشخاص أصحاء تماما فيما عدا ذلك الحديث عن الحساسية لـ»غلوتامات أحادية الصوديوم» - إما جرعة من هذه المادة دون أن تكون ممزوجة بطعام، أو مادة وهمية يُفترض أنها ذلك المركب الكيمياوي موضع الجدل.
ووضع الباحثون قائمة تضم 10 من الأعراض التي يُذكر عادة أنها تعقب تناول «غلوتامات أحادية الصوديوم». وحددوا نصابا من هذه الأعراض، تُعاد التجربة على كل من يتخطاه، ليُعطى إما الجرعة ذاتها من هذه المادة الكيمياوية (أو يُمنح المادة الوهمية التي يُفترض أنها الـ إم إس جي).
واستهدف ذلك التعرف على ما إذا كانت ردود فعل هؤلاء ستظل كما هي أم لا. كما أُعطي أولئك الأشخاص جرعات أعلى من الـ»إم إس جي»، لتحديد ما إذا كان ذلك سيفاقم من الأعراض التي تصيبهم أم لا.
وبعد إجراء مجموعة أخرى من تلك التجارب، تبين ثبات التأثيرات التي يُحدثها تناول الـ»إم إس جي» – وليس المادة الوهمية – لدى اثنين فقط من إجمالي أفراد العينة الـ 130.
لكن حتى في هذه الحالة، اختلف تفاعل جسديّ هذين الشخصين مع «غلوتامات أحادية الصوديوم» عندما تناولاها مُضافة إلى الطعام في إطار تجربة لاحقة، وهو ما ألقى بظلال من الشك حول مدى دقة وصف كل منهما لنفسه على أنه يعاني من الحساسية إزاء التعرض لتلك المادة الكيمياوية.
على الجانب الآخر، تتسم مادة «الغلوتامات» بتدني مستويات السُميّة الموجودة فيها على نحو ملحوظ. فبوسع الجرذ أو الفأر تناول جرعة منها تتراوح ما بين 15-18 غراما بحد أقصى لكل كيلوغرام من وزنه، دون أن يؤدي ذلك إلى تعريضه لخطر النفوق مسموما بالغلوتامات.
لكن بات من المعلوم حاليا أيضا أن الفئران الوليدة تتسم بحساسية خاصة حيال التأثيرات الناجمة عن تناول الـ»إم إس جي».
وهكذا فبينما لا يوجد في العلم ما يمكن أن تُطوى صفحته بحق للأبد، وبعدما قضى د. جون أولني الجانب الأكبر من حياته داعياً إلى فرض قواعد أكثر صرامة على استخدام الـ»إم إس جي»، عقب الفترة التي خصصها لإجراء تجارب على الحيوانات في مقتبل حياته العملية، فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية صارت تقول في الوقت الحاضر إن إضافة مادة «غلوتامات أحادية الصوديوم» إلى الأطعمة «يُعتبر آمنا بوجه عام».
ويبعث ذلك الأمر الطمأنينة في نفوس الكثيرين من عشاق الأطعمة الصينية، الذين لا تكتمل لديهم عطلة نهاية الأسبوع العامرة بالخمول والكسل سوى باستخدام حامل التوابل الدوار، الموضوع على طاولة الطعام الخاصة بهم، والذي تتناثر عليه قطرات من صلصة فول الصويا هنا وهناك.

(بي بي سي)
التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012