أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


الحكومة الاحتكارية

بقلم : ياسر المعادات
03-12-2015 01:17 PM
'وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا' صدق الله العظيم.

عندما تصبح الدولة رهينة محتجزة لجملة من السياسات النيوليبرالية المفروضة قصرا من قبل مؤسسات الاستغلال العالمي على غرار صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و منظمة التجارة و غيرها،فإنها تفقد أية هوية وطنية لها و تصبح عالة على مواطنيها الذين يصبحون هم 'السفهاء' و المستغلون من قبل حفنة من أقطاب أو 'واجهات' النهب الحكومي باسم المصلحة العليا للدولة!
بالطبع فإن البرامج الحكومية المبنية على هذه السياسات النيوليبرالية المتغلغلة في الاقتصاد و المفككة لبنية المجتمع لا تبث إلا الدعاية (الإصلاحية) المبنية على زيادة النمو الاقتصادي و نشر مبادىء الحرية و العدالة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا،و لكنها في ذات الوقت تقتصر على هامش تحرك محدد لها من قبل مؤسسات الاستغلال العالمي السابق ذكرها،فهل ترجمت هذه الدعاية الإصلاحية على أرض الواقع؟! بالطبع لا يمكن لعاقل في الأردن أن يقول بذلك خصوصا في ظل ارتفاع المديونية العامة التي تسجل كل يوم رقما قياسيا عن الذي يسبقه،ناهيك عن ارتفاع معدلات التضخم و انخفاض قيمة العملة،فأين نتائج هذه السياسات الإصلاحية؟ّأم أن هذه النتائج تتعلق قصرا بالسياسات العامة للدولة التي تحاول عزل المواطن الأردني عن واقعه و جعله يسير في خط اجتماعي وهمي يقضي على أي ديناميكية في المجتمع؟!
لم تركز هذه 'الإصلاحات' الاقتصادية المزعومة على مبادىء حرية التجارة و تعزيز الاستثمار الأجنبي عبر خصخصة المؤسسات و الثروات العامة لصالح الشركات متعددة الجنسيات فحسب،بل نزعت صوب محاولة استغلال سكون المجتمع و الالتزام بحذافير تعليمات مؤسسات الاستغلال العالمي عبر تحرير الأسعار و إلغاء رقابة الدولة على الأسواق بشكل يحقق العدل و التوازن في المجتمع،ناهيك عن زيادة متوحشة في الضرائب و أهمها ضريبة المبيعات سابقا و ضريبة الدخل اليوم و التي أقر قانونها مؤخرا بشكل مثير للدهشة بحيث يعزز الفجوة بين طبقات المجتمع و يعزز من وجود و هيمنة الشركات متعددة الجنسيات بدعوى تشجيع الاستثمار،إضافة إلى إيجاد طبقات إقطاعية لا يقتصر نشاطها على الأرض حسب المفهوم الكلاسيكي للإقطاع بل يتعداه صوب السيطرة على العديد من النشاطات الاقتصادية الحيوية،و هو نهج واضح في توجيه الاقتصاد و جعله أداة سيطرة و تفوق طبقي سلطوي مزدوجة.
الحكومة الاحتكارية لدينا أصبحت لا تتوانى عن نزع القناع عن وجهها المستغل الاحتكاري،فنراها تتخذ قرارات سريعة و مفاجئة ترفع من خلاها أسعار سلع حيوية دون أي مبررات كما فعلت مؤخرا من خلال زيادة أسعار أسطوانة الغاز مع خفض باقي أسعار المحروقات استغلالا منها لزيادة الطلب على الغاز بفعل حلول فصل الشتاء،و هي لا تخجل إذ تضاعف رسوم ترخيص السواقين و المركبات و ترفعها بنسب خيالية لا يمكن تصورها،تمهيدا ربما لزيادة أسعار الخبز التي ربما تتبع زيادة أثمان المياه المقرة مسبقا،كل هذه السياسات و كل هذه الخطوات الاستفزازية تحيلنا إلى موقف الشعب السلبي تجاه ما يقوم به السفهاء من السيطرة على المال العام التابع للدولة 'و بالتالي المواطن'،لينتهي المطاف بهذا المواطن و هذه الدولة إلى تحمل أعباء جديدة مع زيادة في ذات الوقت لحجم الدين العام،كل هذا يتم في ظل صدح أبواق المرتزقة بعبارات لقنوها تتحدث عن الإصلاح و محاربة الفساد و المشاريع التنموية و خبز المواطن و كرامة العيش!
بالطبع لا يمكن مواجهة هذه السياسات الاستعمارية الاستبدادية المتجددة إلا عبر مواجهة أدواتها الممثلة بالسلطة السياسية،دون النزوع نحو التهليل لتابوهات تثبيط الجماهير من خلال السيطرة على قوتهم الانفجارية و ترهيبهم من المصير الذي ينتظرهم،مواجهة السلطة تتخذ أشكالا عديدة من ضمنها العصيان المدني الجزئي الذي يجبر الحكومة على التفكير مليا قبل التوغل في سياساتها النيوليبرالية الفاسدة العميلة،مثلما النزول إلى الشارع و تشكيل ضغط جماهيري هو أحد أهم أسلحة مواجهة السلطة،ناهيك عن محاولة توعية المجتمع تجاه السياسات الاستغلالية التي تثقل الحكومة كاهل المجتمع و المواطن بها من أجل تحفيزه لمواجهة طغيان السلطة،و بالتالي خلق وعي جمعي اجتماعي يشكل حائط صد أول راسخا في وجه هذا الطغيان السلطوي.

التعليقات

لا يوجد تعليقات
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012