د . العبادي يكتب : كيف تنهار الدول
بقلم : د .احمد عويدي العبادي
20-12-2015 11:30 PM
بقلم د احمد عويدي العبادي
ليس لدي عجز في المقالات الجاهزة ولا كتابة الجديد منها، ولكنني اليوم اخترت امرا تاريخيا رائعا يتحدث حول كيفية انهيار الدول في حادثة تاريخية تعود الى زمن السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله والذي عاش سبعين سنة بين (1494م-1566م) وحكم 46 سنة، وكان يتقن عدة لغات هي: العربية والتركية والفارسية والصربية الجغائية (لغة من مجموعة اللغات التركية مرتبطة بالأوزبكية والأيغورية، ويحفظ القران الكريم غيبا. وحكم 46 سنة.
وهو سليمان الأول بن سليم خان الأول (الذي احتل بلاد الشام والأردن ومصر). كان عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين، وثاني من حمل لقب 'أمير المؤمنين' من آل عثمان. بلغت الدولة الإسلامية في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت.
وهو صاحب أطول فترة حكم من 6 نوفمبر 1520م حتى وفاته في 5/6/7 سبتمبر سنة 1566م خلفاً لأبيه السلطان سليم الأول وخلفه ابنه السلطان سليم الثاني. عُرف عند الغرب باسم سليمان العظيم وفي الشرق باسم سليمان القانوني، لما قام به من إصلاح في النظام القضائي العثماني.
أصبح سليمان حاكمًا بارزًا في أوروبا في القرن السادس عشر الميلادي، وكان يتزعم قمة سلطة الدولة الإسلامية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
قاد الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529م. كما ضم تحت حكمه أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين ومناطق شاسعة من شمال أفريقيا حتى الجزائر. سيطرت الأساطيل العثمانية زمنه على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج العربي.
في خضم توسيع الإمبراطورية، أدخل سليمان إصلاحات قضائية تهم المجتمع والتعليم والجباية والقانون الجنائي. حدد قانونه شكل الإمبراطورية لقرون عدة بعد وفاته. لم يكن سليمان شاعراً وصائغاً فقط بل أصبح أيضاً راعياً كبيراً للثقافة ومشرفاً على تطور الفنون والأدب والعمارة في العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية.
يعتبر بعض المؤرخين هذا السلطان أحد أعظم الملوك لأن نطاق حكمه ضم الكثير من عواصم الحضارات الأخرى كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز وغيرهم.
وقد رأيت تضمن الخاطرة التالية لمقالي وهي بعنوان كيف تنهار الدول؟ (قصة تاريخية) منشورة في موقع مجلة حراء والخاطرة بقلم أورخان محمد علي
نص الخاطرة:
كان عهد السلطان سليمان القانوني -في رأي معظم المؤرخين- هو العهد الذهبي للدولة العثمانية. فقد اتسعت حدود الدولة وفتحت بلدان وأمصار عديدة في هذا العهد، وعمّ الرخاء والرفاه جميع أنحاء المملكة. ولكن السلطان سليمان كان يعلم من استعراض التاريخ أن كل دولة قوية لا بد أن تضعف وتدبّ فيها عوامل الضعف والانحلال.. إذ لكل أمة أجل.. فهل سيكون هذا هو مصير الدولة العثمانية أيضا؟ أليس هناك من مهرب من هذا المصير؟ بدأت هذه الأسئلة بإشغال فكره عدة أيام يحاول أن يجد لها جوابا.
وعندما طال تفكيره وحيرته قرر طرح هذا السؤال وهذا الموضوع على العالِم المشهور “يحيى أفندي” الذي كان في الوقت نفسه أخاه من الرضاعة. لذا كتب له رسالة ضمّنها سؤاله. كان هذا العالم يقيم في تكية في منطقة “بَشِكتاش” في إسطنبول. كتب إليه يقول بعد الديباجة الاعتيادية: “أنتم ملمون بمعرفة العديد من الأسرار، لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟”.
كان جواب يحيى أفندي جوابا قصيرا ومحيِّرا في الوقت نفسه. قال في جوابه: “ما لي ولهذا أيها السلطان؟ ما لي أنا؟”.
تعجب السلطان سليمان من هذا الجواب وتحير. أيوجد في هذا الجواب معنى سرّيّ لم يفهمه؟ ولم يجد حلاًّ سوى الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي في تكيّته. وهناك كرر السؤال نفسه وأضاف في لهجة يشوبها العتاب: “أرجو منك يا أخي أن تجيب على سؤالي وأن تعد الموضوع جديا واخبرني ماذا قصدتَ من جوابك؟”.
قال يحيى أفندي: “أيها السلطان! إذا انتشر الظلم في بلد وشاع فيه الفساد وقال كل من سمع وشاهد هذا الظلم والفساد “ما لي ولهذا؟” وانشغل بنفسه فحسب.. وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من سمع بهذا وعرفه.. وإذا ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه سوى الشجر والمدر… عند ذاك ستلوح نهاية الدولة. وفي مثل هذه الحال تفرغ خزينة الدولة، وتهتزّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلص شعور الطاعة لها، وهكذا يكون الاضمحلال قدَرا مكتوبا على الدولة لا مفر منه أبدا.” (من موقع مجلة حراء).