أضف إلى المفضلة
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
السبت , 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024


معقدون وعراطون

بقلم : عبد الحليم المجالي
07-01-2016 10:07 AM
معقدون وعراطون

في دراسة تناولت النشطاء من الاردنيين في المجالات الحزبية والمجتمع المدني والاجتماعي والكتاب في الصحافة وما الى ذلك تبين ان نسبتهم تتراوح بين 4الى 10 في المئة على الاغلب , الاغلبية في المجتمع تصنف كأغلبية صامته . تلك الاغلبة وهي تشاهد النشطاء من ابناء مجتمعهم يقودونه الى غير ماتشتهي الانفس من استقرار سياسي وتقدم اقتصادي ليعيش المجتمع في امان , ترغب في الخروج من صمتها وتنشط ولكنها في الوقت ذاته تبحث عن نموذج تحتذي به , نموذج عملي مقنع غير الموجود في الواقع وغير الذي في بطون الكتب وثنايا المقالات , غير المضمون نجاحه اذا ما تم التفكير بنقله من النظرية الى الواقع . الأغلبية الصامته لا ترغب مغادرة صمتها وتنطق بالكفر او الهذرمة لينطبق عليها القول : صمت دهرا ونطق كفرا او صام وافطر على بصلة . الاغلبية الصامته تعبر بصمتها عن رفض الواقع ومن اشكال التعبير مقاطعة الانتخابات كما حدث في الانتخابات التشريعية بمصر مؤخرا , عدم المشاركة بالندوات والمؤتمرات واذا شاركت يلازمها صمتها , صمت الضرورة لا صمت الرضى .اعداد كبيرة من الصامتين تنبهر بالناطقين وترى فيهم النموذج ولكنه مع الايام يتلاشى بريقهم وينكشف معدنهم وشوائبه ليبدأ البحث من جديد عن مثال آخر .

المعقدون

عندما انتصر الفيتناميون نصرا مؤزرا على اعدائهم من الامريكان وحلفائهم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي , تقاطر المهنئون على هانوي عاصمة الثورة للتهنئة , كان من بينهم الرئيس الراحل المرحوم ياسر عرفات ومعه وفد من منظمة التحرير الفلسطينية , وجه وزير الدفاع الفيتنامي الشكر للوفد الفلسطيني كحركة تحرير مسلحة قائلا كلاما بما معناه : ستنتصرون في نهاية المطاف كما انتصرنا كطلاب حق ولكن النصر سيتأخر لان قضيتكم معقدة بالاصل ويجري تعقيدها بشكل ممنهج . الرجل كان صادقا القضية الفلسطينية مقارنة مع قضية تحرير فيتنام معقده وتداعياتها بعد النكبة 48 واحتلال اراضي عربية اضافية زاد من تعقيدها . امن اسرائيل اصبح عنوانا رئسيا في كل احداث المنطقة العربية واصبح حجر الزاوية في رسم سياسات الدول الكبرى واصبح الاتهام بخدمة اسرائيل شماعة نعلق عليها كل اخفاقاتنا واسبابها متناسين الاصل في ذلك . العدو في القضية الفيتنامية واضح ومحدد واما في القضية الفلسطينية فالاعداء كثر , منهم الظاهر ومنهم الباطن , المشروع الصهيوني هو بالاصل مشروع وظيفي للدول الاستعمارية المنتصرة في الحربين العالميتين الاولى والثانية توظف فيه اليهود كاداة لتحقيق المصالح الاستعمارية . الطبخة كبيرة والحواسون فيها كثر ومختلفون في الاهداف والاسلوب والمصالح . المجال هنا لا يتسع لذكر كل الوقائع ولكن نستطيع القول انه نتيجة لتعقيد الامور في قضايانا العربية ظهر جيل معقد من المواطنين العرب الناشطين في مختلف مجالات الحياة ونتيجة لذلك لا يمكن قيام مثال جدير بالاحتذاء به من قبل من يرغب الخروج من صمته .

باختصار شديد من نتائج التعقيدات في قضايانا :
- ظهور الاحلاف السرطانية حلف في ...حلف متعددة القيادات والمرجعيات والاهداف مع علم الجميع بخطورة الاحلاف الغير سليمة النوايا .
- الانقسام الحاد بين القومية العربية والتيارات الاسلامية المنقسمة على ذاتها مما يخلق ازمة هوية وطنية .
- الانقسام الحاد بين الجميع والاختلاف حول تحديد العدو فمنهم من يراه في الاحتلال الصهيوني ومنهم من يراه في ايران
- ظهور الطائفية البغيضة وما يترتب عليها من اصطفافات واحلاف لا تخدم الامة بشيء.
- ظهور الهوة بين القيادات السياسية وبين القواعد الشعبية وكذلك بين قادة التيارات الدينية والمجتمع
- تراجع اصحاب الاختصاص في السياسة والدفاع لصالح الهواة والمراهقين واصبحت القيادة لمن غلب .

العراطون
يحظى كتاب الاعمدة الساخرة في جرائدنا اليومية باهتمام بالغ من القراء لان واقعنا مثير للسخرية والمسخرة ولاننا عاجزون عمليا عن تغيير هذا الواقع بالجد والعمل نلجأ الى التنفيس عن ما في صدورنا بالسخرية . من هؤلاء الكتاب الساخرين كاتب في جريدة الدستور الاردنية لم افوت له مقالا ورأيت فيه الشخص الذي من الممكن الاستعانة به في رحلة الخروج من الاغلبية الصامته الى النشاط والمشاركة . كان انبهاري به في البداية لا يوصف ولكن هذا الانبهار بدأ في التناقص الى ان قرأت له مقالا بعنوان العراطون , صب فيه جام غضبه على فئات المجتمع فئة فئة وخلص الى القول في النهاية : كلنا عراطون . وبما انني من قرائه شعرت بالاهانة وقررت مقاضاته امام المحاكم وقصيت المقال من الجريدة ليقرأه من لم يقرأه وليكون شاهدا معي او على الاقل متعاطفا ويشعر بالاهانة مثلي , اكثر من قرأ المقال تبسم او ضحك وبعضهم قال صدق الرجل , وبعضهم قال لي ستخسر القضية وتكون مفلوج , الرجل يقصدنا الامة العربية وكلنا يشهد على عرط العرب ايام اعلام احمد سعيد وتجوع ياسمك , ونشهد على ان العرب بعد هزيمة 67 رفعوا شعار ازالة آثار العدوان ولا صلح ولا تفاوض ولا سلام مع العدو الصهيوني ولم يحققوا من ذلك شيئا بل العكس انخرطوا مخدوعين بالمفاوضات والمعاهدات والتنازلات وهم اليوم ينسون ما حل بهم من هزيمة مشغولين بهزائمهم الجديدة وخيباتهم في كل مجال وعلى كل صعيد . الم تو ان الاراضي العربية مستباحة ومياههم تزخر بكل انواع البوارج والغواصات والقواعد البحرية .
الكيانات القطرية العربية - ولا نقول دولا لان معظمها غير مستوفية لشروط الدولة – صناعة سايكس بيكو ووعد بلفور تعلم انها صنعت بحدودها الحالية لغايات خدمة الاستعمار والصهيونية ولحد الان وبعد مرور قرن غير قادرة على تغيير الوضع المزري وليس لديها الرغبة في ذلك ومهددة بتقسيم المقسم ايضا ومع ذلك تحتفل باستقلالها كل عام بالاناشيد والعروض العسكرية وهي تعتمد في حفظ امنها واقتصادها على من صنعها مقابل انقيادها لهم اليس ذلك عرطا ؟. تلك الكيانات التي كتبت دستورا لها - قد يكون لرفع العتب - كتبت في اولى فقراته انها جزء من الامة العربية , حكامها يضمنون خطبهم الدعوة الى الوحدة ورص الصفوف , تنادوامؤخرا لتشكيل قوة عربية مشتركة وكان ذلك فورة قدر تلاشى الزبد فيها باسرع ما يمكن ,تلك الكيانات عمليا لاتعير اي اهتمام للوحدة العربية او حتى التضامن العربي كحد ادنى اليس ذلك عرطا ؟ استعراضات عسكرية ومليارات الدولارات للتسليح ولا تستطيع حماية شبر من ارضها الا بمعونة او حلف تقوده قوى خارجية , اليس ذلك عرطا ؟ هذا غيض من فيض والمخفي اعظم ....

الانسان السوي لا يعرط ولكن المعقد نفسيا وخاصة من يشعر بمركب النقص هو من يعوض عن نقصه بالعرط . الاردنيون بالاضافة الى ما هو موجود من عقد في المجتمعات العربية عامة عندهم من العقد ما يجعلهم مجتمعا عابسا قليلا ما تعرف الابتسامه طريقها الى وجوههم . هنالك مظاهر كثيرة تدل على العقد في مجتمعنا منها الخصام المستمر بين المجتمع ومرجعياته السياسية والاجتماعية فالاردنيون من اكثر الشعوب تذمرا من كبارهم ومن اكثر الشعوب نقدا للغير . اختبارات كثيرة اظهرت عدم الثقة المتبادلة بين قيادات المجتمع المدني وقواعدهم ولعل فيما جرى لجماعة الاخوان المسلمون اكبر دليل على ذلك . قبل ايام صرح وزير التنمية السياسية الاردني بان عدد الاحزاب المرخصة فاق الخمسة وثلاثين حزبا وان اكثر من خمسة وعشرين حزبا تحت التأسيس اليس في ذلك دليل على عقد المجتمع الذي لا يثق بحزب ولا بشيخ عشيرة ولا يرضى حتى بان يمثله احدا ؟ . اليس في تقبل المجتمع الاردني بمئة وخمسين نائبا يمثله بالاضافة الى نصف العدد من الاعيان ليكون لكل حارة ممثل اليس في ذلك دليل على عقد اجتماعية مستعصية ؟ في المجتمع الاردني ظاهرة حديثة عندما انفتحت الابواب للكتابة في وسائل الاعلام دون حسيب او رقيب ظهور منتقدين معقدين ينتقدون الفساد والتقصير بعد ان كانوا من الصفوف الاولى من المسؤلين ووصلوا الى اعلى المراتب .

المجتمعات العربية , بما تحويه من معقدين وعراطين مع غياب الطبقة الوسطى او الوسط المتجانس وانقسام المجتمع بين اغلبية صامته واقلية ناطقه بحاجة الى مصحات نفسية وعلاج طبيعي للعقد ,الاهم من ذلك الحاجة الى مرجعيات سياسية خالية من العقد حرة ومستقلة تماما من التبعية للاجنبي الذي من شأنه تعقيد قظايانا وبالتالي تعقيد نفوسنا . عندما تتعقد الامور وتنسد الآفاق امام الشعوب يبرز من بينها الحكماء والمثقفون والادباء ليكونوا نبراسا يهتدى به . وكما تقول الحكمة العربية – اذا خفت القوم فلها رواسيها -, المواطنون العرب خف وزنهم وفقدوا توازنهم وكما جعل الله الجبال رواسي في الارض جعل في الناس رواسي كالجبال تثقلهم وتحفظ لهم توازنهم . المجتمعات العربية بحاجة الى رواسي من البشر تؤمن بالوحدة , حرة في طباعها , صادقة مع الذات ومع الغير , تحارب الطائفية ومن يروج ويجيش لها , تحارب الانانية وتحترم الرأي الصائب , تؤمن بالنضال والتضحية , تؤمن بالمعرفة زادا وبتجارب الامم الاخرى دروسا مستفادة , تعمل عل التوازن بين المطالبة بالحقوق والمبادرة بالقيام بالواجبات . لافائدة من قيادات ومرجعيات ان لم يكن هنالك علاقة عضوية بين المواطنين العرب تجمعهم وتجعل من كل قضاياهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية قضايا تهم الجميع بشعور واحد وتخطيط مشترك وتنفيذ منضبط وبحرية تامة .ولا تيأسوا من رحمة الله انه على شيء قدير .









التعليقات

1) تعليق بواسطة :
07-01-2016 11:35 AM

الأستاذ عبد الحليم المجالي تحيةواحتراما:
ياشيخ عبد الحليم أراك صببت جام غضبك على الجميع شعوبا وقبائل ومجتمعات وناشطين وصامتين وتركت سبب البلا في هذه الأمة مجتمعة ولم تأتي على ذكرهم.
نعم يابن العم وصلت الأمة مجتمعةإلى الدرك الأسفل من الإنحطاط في شتى المجالات البنيوية التي تخدم المواطن العربي وأهمها الوحدة والتكاتف والتعاضد في مواجهة الأخطار ناهيك عن التخلف في المجالات الإقتصادية والخدمية.
لك الحق أن تغضب ولكن على المتسبب بالخراب وهو الحاكم العربي المستبد

2) تعليق بواسطة :
07-01-2016 11:47 AM

ال.. الذي حارب كل أشكال الوحدة وجعل قطره ملكية خاصة له ولذريته وزبانيته.
لادخل للإنسان العربي فقد انفجر كما رأينا في ربيعه العربي وضحى بحياته ولازال ولكن قوى أكبر منه فتكت بثورته خارجية وداخلية يروق لها أن يبقى الحال كما هو عليه.
المواطن العربي مظلوم من حكامه ومن قوى الإستعمار الذي نصبتهم على رقبته
ولاتزال تدعمه كما في سوريا واليمن والعراق وليبيا ومصر وغيرها.
لكن رغم الخسائر التي مني بها المواطن العربي فالفجر والتغيير قادم مهما طال الزمن ، يكفي المواطن أنه كسر حاجز الخوف من الحاكم وزلمه

3) تعليق بواسطة :
07-01-2016 02:55 PM

الاستاذ طايل البشابشه المحترم
حياك الله وانا سعيد بمداخلتك الهادفةولي الحق في توضيح بعض ما ذهبت اليه وما قد يذهب اليه الغير من تبقرئة المواطن العربي وصب جام الغضب على الحكام العرب
انا لم ابريء الحكام ووصفتهم بصنيعة سايكس بيكو وعرطهم بالاستقلال ورد الاعداء
انا اكتب من منطلق ايماني بالامة الدولة وطنها الوطن العربي والامة كل مواطن على ارض الوطن ولا بد من علاقة عضوية تجمع افراد هذه الامة
انا لا اكتب من منظور هويات وطنية ضيقه
تريد زيادة عيار الشتم على الحكام وانا احمل الجميع المسؤولية

4) تعليق بواسطة :
07-01-2016 03:49 PM

كالعادة رائع ابو محمد
الله يعطيك الصحة

5) تعليق بواسطة :
08-01-2016 08:50 PM

عشنا تاريخنا الحديث على نظرية المؤامرة واتخذناها مشجبا لنعلق عليه قلة حيلتنا وهوان امرنا,اما الحاكم العربي المستبد الذي يتحدث عنه الاخ طايل البشابشة فلا يختلف عن تلك النظرية,اخي طايل: الشعوب الحية تلفظ ذلك النوع من الحكام,شعب اوكرانيا جلس مع الشموع في حرارة بلغت50 درحة تحت الصفر حتى ازاح حاكمه المستبد,الاتحاد السوفييتي تفكك قطعة قطعة,الفيتناميون قهروا حاكمهم وطردوا حليفه الامريكي,الامثلة كثيرة ولكننا كعرب استمرانا الذل ورضينا بما نحن فيه,ربيعنا العربي اصبح مسخا,نعيب زماننا والعيب فينا’تحية لكما

6) تعليق بواسطة :
09-01-2016 07:59 PM

تحية لك أستاذ عيسى وأنا أعذرك وأحترم رأيك بأن على الشعوب واجبات تتلكأ أحيانا في تقديمها.
لكن شعوبنا العربية التي تصف ربيعها بالمسخ لم تقصر في احتجاجاتها ضد المستبد ودفع الكثير منهم روحه في الميادين والشوارع.
وأقرب مثال الشعب السوري واليمني الذين يتعرضون للإبادة بسبب مطالبتهم بالحرية.

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. ويحتفظ موقع كل الاردن بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع كل الاردن علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
بقي لك 300 حرف
جميع الحقوق محفوظة © كل الاردن, 2012